ماهية القرار الاستراتيجي



المبحث الأول: ماهية القرار الاستراتيجي
يعد القرار الاستراتيجي عموما عملية مفاضلة دقيقة بين بديلين استراتيجيين على الأقل، يتمتعان بقيمة واحدة أو متشابهه . وقد يكون القرار حركة واثقة نحو القضاء على حالة من حالات التوتر لتصفية مصادر ذلك التوتر بصورة أو أخرى . وهو بذلك يتضمن إما عمل شيء، أو الامتناع من عمل شيء في الأقل، أو التخطيط لفعل شيء ما في المستقبل .

يلعب القرار الاستراتيجي دورا كبيرا في تحقيق الأهداف السياسية الإستراتيجية، التي يسعى صناع القرار السياسيين والاستراتيجيين نحو تحقيقها بمستوياتها المختلفة القريبة المدى، والمتوسطة، والبعيدة، ويتم صناعة هذه القرارات بموجب الأهداف التي تحددها المؤسسة، وتشكل بدورها الإطار النظري لها، وتمثل الترجمة الحقيقية التي تسعى المؤسسة لانجازها.


المطلب الأول: مفهوم القرار الاستراتيجي

يعد القرار الاستراتيجي أحد الحلقات المهمة في عملية صياغة الإستراتيجية، ويستند إلى نتائج عملية التحليل الاستراتيجي التي تقوم بها المؤسسة، إذ يتم تكوين مجموعة بدائل متاحة، ويكون القرار الاستراتيجي أفضلها من وجهه نظر الإدارة، ويتم انتقائه والعمل بموجبه للفترة المستقبلية لتحقيق ما تصبوا إليه من أهداف، بدوره سيؤدي إلى انتقال المؤسسة نحو وضع أفضل مما هي عليه الآن.

حظي مفهوم القرار الاستراتيجي باهتمام الكثير من المفكرين والباحثين من أدباء الفكر الإداري، وقد تباينت المفاهيم الخاصة به بسبب اختلاف مداخل دراسته من قبل كتاب الإدارة وباحثيهم. ويمكن تعريف القرار الاستراتيجي على أنه:

التعريف الأول: عملية بعيدة المدى تقود فيها الأهداف المقررة مسار تعبئة الموارد الجارية والكامنة وتمر بتحليل كمي و وصفي.
من هذا التعريف نستنتج أن القرار الاستراتيجي يمتاز بطول المدى.

التعريف الثاني: هي تلك القرارات التي تؤثر بعمق في قدر ومستقبل المؤسسة من خلال التجاوب والتوافق بين هذه القرارات ومتطلبات البيئة إذن هي القرارات التي تصنع في الإدارة العليا وهي تغطي مدى زمني طويل ينعكس على المؤسسة ككل.
من هذا التعريف نستنتج أن الإدارة العليا تختص بالقرارات الإستراتيجية.

التعريف الثالث: ويتم اتخاذ مثل هذا النوع من القرارات على مستوى الإدارة العليا (الجمعية العامة، مجلس الإدارة، المدير،..،) بالنظر لحساسيته ودرجة خطورته على مستقبل المؤسسة، كما تتصف بعدم التكرار وتحظى بدرجة عالية من المركزية في اتخاذها.

من هذا التعريف نستنتج أن القرار الاستراتيجي يتصف بالمركزية العالية.
التعريف الرابع: قرارات استثنائية يتم صناعتها في المدة الزمنية الحالية ذات الدرجة العالية من الأهمية، من ناحية تأثيرها في المؤسسة خلال المراحل الزمنية المقبلة، وتنصب على تحقيق هدف المؤسسة من خلال فهم كيفية انسياب عملية صنع القرار خلالها، وتتطلب مهارات إبداعية للإحاطة بمتغيرات البيئة الداخلية والخارجية.
من هذا التعريف نستنتج أن القرار الاستراتيجي يهدف إلى تحقيق رسالة المؤسسة تحت الإحاطة بالمتغيرات البيئية.
وتأسيسا على ما ورد آنفا، يمكن أن نستنتج أن القرار الاستراتيجي هي الاختيار المفضل لدى متخذ القرار من بين البدائل الإستراتيجية المطروحة وذالك لمواجهة موقف استراتيجي يخص أحد جوانب التنظيم الذي يعمل به، وهي قرارات رئيسية تتعلق بأداء رسالة المؤسسة وغاياتها وأهدافها تجاه الفرص والمخاطر البيئية، وهي قرارات طويلة المدى وذات تأثير مهم على المؤسسة وتتخذ هذه القرارات في أعلى مستويات التنظيم وتتميز بمركزية عالية.

المطلب الثاني: أهمية القرار الاستراتيجي

يعد القرار الاستراتيجي من الأهمية جوهر العملية الإدارية ووسيلتها الأساسية في تحقيق أهداف المؤسسة، وحظي القرار بعملية استثنائية في المجالات المختلفة للإدارة، لأنه يسهم بشكل أساسي في تمكين المؤسسة من مواصلة أنشطتها الإدارية بكفاءة وفاعلية.

تعد عملية صنع القرارات الإستراتيجية من المواضيع المهمة لما لها من تأثير أساسي فعال في عمل المنظمات، مما ينعكس على اقتصاديات وسياسات الدول. تختص عملية صنع القرارات الإستراتيجية باتجاه المستقبل والبعد الزمني مما يبرز أهميتها، كما أنها تشمل مجالات الحياة كافة التي تتعلق بالمدى البعيد والآراء المستقبلية. وتتوقف قدرة المؤسسة على الاستمرار بفعالياتها ونشاطاتها على إدارتها الجيدة لقراراتها الإستراتيجية، وتأمين تطبيقها على أكمل وجه لتحقيق الأهداف المسطرة..

تكتسب عملية صنع القرارات الإستراتيجية أهمية كبيرة لأنها ترتبط بالنشاط الساعي لاكتشاف أهداف جديدة، أو تعديل الأهداف الحالية. ويحرز القرار الاستراتيجي أهمية كبيرة لأنه يحدد الرؤية المستقبلية للمنظمة، ويكون تأثيره شاملا على الوحدة التنظيمية لكونه يتعلق باندماج المؤسسة، أو تحديد حجمها، أو مركزها التنافسي، أو المنتجات و الخدمات التي تقدمها المؤسسة، وتتضح هنا أهميته بأنه قرار انتقاء إستراتيجية من بين استراتيجيات بديلة تسهم في بلوغ أهداف المؤسسة بشكل أفضل.

يعود نجاح صنع القرارات الإستراتيجية على المؤسسة بزيادة الأرباح وتهيئة الفرص التنافسية، وزيادة أسعار الأسهم، أو الحصة السوقية، كما أن للقرار دور مركزي وجوهري للتأثير في حياة المؤسسة ومخرجاتها التي تؤثر فيما بعد على العاملين فيها.

المطلب الثالث: مميزات القرار الاستراتيجي

تتميز القرارات الإستراتيجية بتأثيرها الطويل المدى على المؤسسة، بحيث ترهن تموقعها في السوق، والذي يراد منه تعظيم المكاسب للموارد الموضوعة تحت تصرف المؤسسة، ويبحث القرار الاستراتيجي على الطريقة التي بموجبها تواجه المؤسسة محيطها الخارجي في ظل المنافسة.

تصنع القرارات الإستراتيجية بظروف استثنائية نتيجة لتهديدات متوقعة، وفرص بيئية مؤثرة يحتمل ظهورها في المستقبل، وتكون نتائج هذه القرارات بعيدة الأمد بالنسبة للمؤسسة. فتتميز القرارات الإستراتيجية بخصائص معينة تميزها عن باقي القرارات التي تصنعها المؤسسة، هي كالتالي:

أولاً: المستوى التنظيمي: تتعامل القيادة العليا مع القرارات الإستراتيجية من حيث صياغتها وتأمين القاعدة الأساسية لها، لكونها مؤثرة في كافة أجزاء المؤسسة. يمتلك رأس الهرم التنظيمي القدرة على رؤية الأشياء بشكل واضح ولديه الإمكانية على فهم العواقب والنتائج، وهذا لا يمنع من إشراك الإدارات الأخرى في عملية صنع القرار، واعتباره من المسائل المهمة التي تزيد من ثقة عناصر المؤسسة وبلورة القرار، مما يسهل عملية المضي في تطبيقها والإشراف عليها.

ثانياً: التأثير الزمني: إن نتائج القرارات الإستراتيجية لها تأثيرات بعيدة المدى سواء على مستوى الأفراد، أو الأقسام، أو على مستوى المؤسسة بشكل كامل، ويتطلب مواصلة العمل في هذا السياق لعدة سنوات قادمة ومن خلاله يمكن أن تحقق المؤسسة قفزة نوعية ومميزة في الإنتاج، أو الاشتراك والمنافسة بسوق معينة.

ثالثا: التوجه المستقبلي: تقوم القيادة العليا بإجراء مسح ميداني والتنبؤ بأمور مستقبلية للبيئة عندما ترغب في صناعة قرارها الاستراتيجي. يهدف هذا التقويم لتحقيق الفرص وتحديد المخاطر ومحاولة مواءمتها لعناصر القوة والضعف داخل التنظيم، لتصبح المؤسسة في وضع يسمح لها بصنع قرار له تأثير على مستقبلها. تتضمن النظرة المستقبلية للقرارات الإستراتيجية تحديد المسار المستقبلي، أو إمكانيات الأداء التي تمكن المؤسسة من تحويل نفسها من المرحلة الآنية إلى المرحلة المستقبلية المرغوب الوصول إليها.

رابعا: تخصيص وتوزيع موارد المؤسسة: تتطلب عملية تنفيذ القرارات الإستراتيجية تخصيص الموارد البشرية والمادية المتوافرة لدى المؤسسة وتوزيعها على أقسام المؤسسة لإنجاز الواجبات الموكلة لكل قسم، وهذا يتطلب منها جدولة أنشطتها وتنسيقها بما يسهم من تأمين متطلبات تنفيذ هذه القرارات من قبل الأقسام.

خامساً: تضمين قيم ومعتقدات الكادر المعرفي والمادي داخل وخارج المؤسسة: تتأثر القرارات الإستراتيجية بالقيم والمعتقدات وخاصة بالنسبة لأولئك الذين يمتلكون القوة المعرفية والمادية داخل المؤسسة وخارج المؤسسة. ينظر إلى القرارات على أنها انعكاس لمواقف ومعتقدات أولئك الذين يمتلكون من القوة والتأثير الكبير على المؤسسة.

سادساً: تمثل الإطار العام لقرارات الإدارة الوسطى والدنيا: تعد عملية تثبيت الأهداف من قبل القيادة العليا داخل المؤسسة وقيامها بصنع القرارات الإستراتيجية، مما يؤثر في اشتقاق الأهداف والخطط الفرعية لمختلف الإدارات الأخرى، فهي تكون مرشدا عاما لتلك الإدارات عند صنعهم لقراراتهم التي يجب أن تتناسب وتتماشى مع أفكار القيادة العليا. ويجب التفكير دائما بأن الأهداف الإستراتيجية هي الغايات التي تؤمن المؤسسة بتحقيقها من خلال تفعيل كافة أقسامها وشعبها لغرض تنفيذ الرسالة الأساسية للمنظمة. تعد الأهداف المحطات الأخيرة لكافة وظائف الإدارة التنظيمية والتخطيطية والقيادية.

سابعاً: التوجه نحو النظام المفتوح: إن عملية التطور والمنافسة يتطلب من المؤسسة التوجه إلى بيئتها الخارجية إذا تحددت عملياتها ووظائفها الداخلية، فالمؤسسة التي تريد أن تحافظ على نجاحها في المنظور البعيد يجب أن تأخذ بعين الاعتبار وهي تصنع قراراتها تأثيرات البيئة الخارجية، وبالأخص الفاعلين في هذا المضمار كالمنافسين، والموردين، والحكومة.
ويمكن أيضا أن نزيد بعض من مميزات القرارات الإستراتيجية الآتية:

_ المركزية في المستويات العليا: عادة ما يتم بناء الإستراتيجية واتخاذ القرارات الإستراتيجية في أعلى المستويات الإدارية المتمثلة في مجلس إدارة المؤسسة أو المدير العام للشركة ومساعديه ، وذلك لإلمامهم بإمكانات وموارد المؤسسة ، ومعرفتهم بظروفها المحيطة ، وعلاقاتهم بالجماهير الخارجية على اختلاف نوعياتهم .

_ يعد القرار الاستراتيجي قراراً حتمياً: إذ على المؤسسة أن تتخذه مسبقاً حتى يمكن أن تبنى عليه القرارات الإدارية والتشغيلية الأخرى ولذا فليس أمام المؤسسة مفر من اتخاذه قبل البدء في عملياتها الإدارية والتشغيلية .

_ تتميز القرارات الإستراتيجية بعدم التكرار : إذ غالباً ما تمثل معالم رئيسية تسير المؤسسة على نهجها دون تغيير يذكر وبالتالي تجدها بين قرارات الإدارة التي تستمر المؤسسة في العمل بها دون تغيير لفترات طويلة .

_ قرارات قليلة نسبياً في عددها: فالقرارات الإستراتيجية تتسم بالشمول ولهذا فهي ليست قرارات تفصيلية وإنما تركز العديد من النقاط في قرار استراتيجي واحد .
_ قرارات تتعلق بالمدى الطويل: عادةً ما تخدم القرارات الإستراتيجية فترات زمنية طويلة نسبياً قد تمتد لتشمل حياة المؤسسة بكاملها .

_ قرارات تتعلق بالمؤسسة ككل: وغالباً تمثل القرارات الإستراتيجية نقاط متكاملة في خدمة مختلف الإدارات والأقسام والوحدات الإدارية بالمؤسسة .

_ قرارات تهتم بتنظيم العلاقة بين المؤسسة وبيئتها الخارجية: تهتم القرارات الإستراتيجية بالبيئة الخارجية للمنظمة إذ منها تستمد المؤسسة مواردها المادية والبشرية التي تحدد بشكل كبير مدى استمرار المؤسسة واستقرارها بتلك البيئة كذلك في هذه البيئة غالباً ما تفرز المؤسسة منتجاتها وأنشطتها ومخرجاتها ولهذا ترتبط القرارات الإستراتيجية بالبيئة الخارجية ارتباطاً وثيقاً.

تختلف القرارات الإستراتيجية عن القرارات غير الإستراتيجية، وأهمية التفرقة هي إظهار الاختلاف بين المنظمات التي تدار استراتيجيًّا و التي لا تدار استراتيجيًّا، وتتعرض بالتالي للفشل. وهناك نواحٍ معينة تميز القرارات الإستراتيجية وهي: الاهتمام بالتغييرات البيئية، التأثير طويل الأجل، التحول الجذري في ممارسات المؤسسة، الاعتماد على المزايا التنافسية، السرعة في تطبيق الاستراتيجيات، المرونة و الابتكار والتجديد.






المصدر
صل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تنس دعمنا بالنشر والتعليقات

0تعليقات

تعليقك يساهم في تطوير المحتوى ويزيد من الفائدة بمشاركتنا بأفكارك واقتراحاتك , رأيك يهمنا فساهم بتعليقاتك معنا
يرجى عدم وضع روابط خارجية في التعليقات لضمان نشرها