لغة القالب

أسس الرضا الوظيفي و أساليب قياسه



أسس الرضا الوظيفي وأساليب قياسه
يعتبر الرضا الوظيفي من أكثر مواضيع علم الإدارة غموضا، ذلك لأنه حالة انفعالية متعلقة بالمورد البشري يصعب فهمها، ناهيك عن قياسها بكل موضوعية، ولعل هذا الغموض أدى إلى ظهور المئات من البحوث والدراسات حول هذا الموضوع، فقد أجريت سنة 1976 أكثر من 3350(1) دراسة في الولايات المتحدة الأمريكية فقط تناولت الرضا الوظيفي، فمنهم من اعتبر الرضا الوظيفي كمتغير مستقل يؤثر في سلوك العمال كالأداء ، التغيب، دوران العمل والاتصال، وأحيانا أخرى كمتغير تابع يتأثر بالأجر والرواتب ونظام المنح والمكافآت وهيكل السلطة ونظام اتخاذ القرارات، إضافة إلى عدم اتفاق الباحثين على تعريف دقيق للرضا الوظيفي مما أدى إلى تعدد نواحي الدراسة.
- فما هو الرضا الوظيفي وما هي آثاره؟
- ما هي العوامل المسببة له وكيف يمكن قياسه؟ ثم ما علاقته بالتنظيم غير الرسمي؟.
المبحث الأول : مفهوم الرضا الوظيفي وآثاره.
المطلب الأول: مفهوم الرضا الوظيفي.
خضع مفهوم الرضا الوظيفي لرؤى فكرية عديدة مستمدة من التطورات في العوامل البيئية الخاصة به والمجسدة له، ولهذا تباينت أفكار الباحثين حيال صياغة تعريف محدد للرضا الوظيفي، ويعود هذا التباين إلى تعرض بعض المهتمين به وفقا لطبيعة تخصصاتهم (2)، ومن هذه التعاريف:
- تعريف طلعت إبراهيم لطفي:" الرضا الوظيفي هو مجموعة المشاعر الوجدانية الإيجابية التي يشعر بها الفرد اتجاه عمله أو وظيفته، والتي تعبر عن مدى الإشباع الذي يحققه العمل بالنسبة للفرد" (3).
- تعريف فروم:" الرضا الوظيفي اتجاه إيجابي من الفرد إلى عمله الذي يمارسه" (4).
- تعريف ستون:" الرضا الوظيفي هو الحالة التي يتكامل فيها الفرد مع وظيفته وعمله ويصبح إنسانا تستغرقه الوظيفة، ويتفاعل معها من خلال طموحه الوظيفي ورغبته في النمو والتقدم وتحقيق أهدافه الاجتماعية من خلالها"(5).
- تعريف مركز البحوث بجامعة ميتشجان :" الرضا الوظيفي هو ذلك الارتياح الذي يستخلصه العامل من الأوجه المختلفة لانتمائه للمشروع" (1). 
- تعريف WILLIAM.Jوآخرون:" الرضا الوظيفي هو الفرق بين ما ينتظره الفرد من عمله وبين الشيء الذي يجده فعلا" (2).
يلاحظ من عينة التعاريف السابقة تأكيدا على ما جاء في مقدمتي الفصل والمطلب؛ حيث اختلف الكتاب في تحديد الرضا الوظيفي، لأن البعض يعرفه من منطلق أنه إشباع لحاجات الفرد المتوقعة من الوظيفة، ويعرفه البعض الآخر على أنه استجابة العامل العاطفية نحو عمله، كما يعرف بموقف العامل من عمله.
وفي ظل ما سبق يمكن تعريف الرضا الوظيفي بأنه :" رد فعل شعوري (الاستجابة) للفرد بمقدار ما تشبعه مكانته المادية والاجتماعية من خلال انتمائه للمنظمة حسب توقعه وطبيعة شخصيته".
المطلب الثاني: آثار الرضا وعدم الرضا الوظيفيين.
إن اعتبار الرضا كمتغير مستقل في الدراسة سيكشف ماله من آثار على الحياة العملية للأفراد وبالتالي على المنظمات، سواء السلبية منها والناتجة عن حالة عدم الرضا، أو الإيجابية والناتجة عن حالة الرضا.
الفرع الأول : آثار عدم الرضا الوظيفي.
لعدم الرضا الوظيفي آثار سلبية على المنظمات، والتي تظهر من خلال الغياب، دوران العمل التمارض، الإصابات، الشكاوى، الإضراب واللامبالات. 
أ- الغياب ودوران العمل:
يشكل الغياب ودوران العمل ظاهرتين مكلفتين بالنسبة لأي منظمة مهما كانت صفتها، فهما تؤديان إلى زيادة العمالة وبالتالي تخفيض الإنتاجية ومن ثم مرودية العامل من جهة، ومن جهة أخرى التكاليف التي تتكبدها المنظمة حينما تصرف أموالها في توظيف وتدريب من يحل محل التاركين للوظيفـة أو المتغيبين عن العمل(3).
أولا: الغياب:
يعرف الغياب عموما على أنه :"نقص الملازمة في عمل يتطلب الحضور الدائم"، و أسبابه حسب Hailbronz عديدة تتمثل في : المرض، عطل الأمومة، حوادث العمل، عطل لأسباب عائلية أو إدارية عطل غير موافق عليها أو التكوين خارج المنظمة (1).
وقد قسم كل من Jardilliller وَ Baudwin عوامل الغياب إلى عوامل شخصية وأخرى مهنية(2):
- العوامل الشخصية :
وتشمل العوامل الشخصية: السن، الحالة الصحية، الجنس، الحالة العائلية، المستوى التأهيلي الأقدمية، النشاطات الشخصية بالعمل وظروف السكن والمواصلات.
- العوامل المهنية :
وتحتوي تأثير مستوى العمل بمختلف أنواع الإنتاج، مستويات التأهيل، تأثير ظروف أداء المحيط وأوقات العمل ثم تأثير الظروف الاجتماعية للعمل والتي تشمل نمط الاتصال وطريقة المكافأة، إلى جانب كل الإجراءات ذات التأثير النفسي كالمعاملة والإشراف وجماعة العمل.
وقد أكد بعض الباحثين على وجود علاقات قوية بين عدم الرضا الوظيفي ومعدل الغياب مثل Brayfield, Crockett , Herzberg وَ Vroom وأن ارتفاع مستوى الرضا يؤدي إلى انخفاض نسبتي التغيب والتسرب(3)، وهذا ما أكدته دراسات أقيمت في شركة " هارفستر أنترناشيونال" حيث توصل الباحثون إلى معدل ارتباط سالب بين الرضا ومعدل الغياب قدره (-0.25) وفي دراسـات أخـرى (-0.38)(4).

ثانيا: دوران العمل:
يعبر ترك العمل عن استقالة العامل من منظمته طواعية، وهذه الاستقالة لها مجموعة من التكاليف تتحملها المنظمة كتكلفة الإحلال، تكلفـة التدريب وتكلفة التعيين والتي تزداد كلما ارتقينا في السلـم أو الهرم التنظيمي، بالإضافة إلى أن المنظمة تتحمل تكاليف أخرى غير ملموسة (التكاليف الخفية في الموارد البشرية) مثل تشتت جماعة العمل التي يعمل بها هذا الفرد المستقيل، وتعظم التكاليف أكثر إذا كان تارك العمل من ضمن الأفراد ذوي الأداء والخبرات العالية(1).
ويقود التفكير المنطقي إلى افتراض أنه كلما زاد رضا الفرد الوظيفي، زاد الدافع لديه إلى البقاء في هذا العمل، وقل احتمال تركه للعمل بطريقة اختيارية، ولقد أجريت عدة دراسات تهدف إلى اختبار صحة هذا الفرض، فأظهرت بدرجات متفاوتة أن هناك علاقة سلبية بين الرضا ومعدل دوران العمل بمعنى كلما ارتفعت درجة الرضا الوظيفي يميل معدل دوران العمل إلى الانخفاض(2).
ب- التمارض والإصابات:
وهي وسائـل الانسحاب غير المباشر من العمل عن طريق اتخاذ الذرائع والحجـج.
أولا: التمارض(3):
التمارض )إدعاء المرض( ظاهرة تعبر في الغالب عن عدم رضا العامل؛ وذلك من خلال الضغط النفسي الذي يواجهه داخل المنظمة أو خارجها، ويلجأ العامل إلى الحالات المرضية المقنعة للابتعاد عن محيط العمل تهربا من الواقع المعيش فيها أو للتقليل من الانعكاسات السلبية التي يواجهها أثناء عمله.
ثانيا: الإصابات(4) :
إن الحوادث الصناعية والإصابات شأنها شأن التغيب أو ترك العمل، وإنما هي تعبير جزئي عن عدم رضا الفرد الوظيفي؛ وبالتالي انعدام الدافع على أداء العمل بكفاءة وعدم الرغبة في العمل ذاته، وعلى هذا الأساس يميل الباحثون إلى افتراض علاقة سلبية بين درجة الرضا الوظيفي وبين معدلات الحوادث والإصابات في العمل، وتفسر هذه الظاهرة بأن العامل الذي لا يشعر بدرجة عالية من الرضا نجده أقرب إلى الإصابة؛ إذ أن ذلك هو سبيله إلى الابتعاد عن جو العمل الذي لا يحبه، غير أن هذا التفسير غير مقبول من طرف بعض الكتاب، لذا نجد فروم يرجح الرأي القائل بأن الإصابات هي مصدر من مصادر عدم الرضا الوظيفي وليس العكس. 
وأيا كان التفسير فإن البحوث تدل على وجود تلك العلاقة العكسية بين الحوادث والإصابات ودرجة الشعور بالرضا الوظيفي .
جـ- الشكاوى والإضراب واللامبالاة : 
الشكاوى والإضراب واللامبالاة وسائل احتجاجية يتخذها العمال كرد فعل على عدم الرضا الوظيفي .
أولا : الشكاوى :
أظهرت دراساتHarris وَ Fleisheman سنة 1962 أن ارتفاع الشكاوى والتظلمات يظهر كثيرا في منظمات يغلب عليها عدم الرضا عن نمط الإشراف، فالعامل يستعمل وسيلة التظلم والشكوى كآخر إجراء للتعبير عن تذمره اتجاه الأسباب التي جعلته في حالة عدم رضا عن عمله أو عن غيرها، بهدف جلب اهتمام المشرفين والإداريين لدراسة وضعيته(1).
وبغض النظر عن موضوعية هذه الشكاوى من عدمها فإن المنظمة مطالبة بالاهتمام بها ودراستها وتحليلها بدقة من أجل تفادي الاضطرابات والتوترات التي قد تظهر وتؤثر سلبا على أدائها(2) .
ثانيا :الإضراﹶب : 
يعتبر الإضراب من أقوى مؤشرات عدم الرضا حدة، حيث يعبر عن التذمر وحالة من الفوضى والإهمال التي يعيشها العامل داخل المنظمة ويلجأ العمال إلى هذا الشكل (الإضراب) سواء كانوا في جماعة صغيرة أو كبيرة العدد، ردا على الوضعية التي يعيشونها (الأجر المنخفض، طرق الإشراف، الترقية..) عاكسا لطموحهم وتطلعهم إلى زيادة الأجر، تحسين ظروف العمل أو المطالبة بالتغيير وغيرها(3).
والإضرابات لا تتسبب في الخسائر للمنظمة فقط، بل تتسبب حتى في عدم الاستقرار لاقتصاديات البلدان أيضا – تبعا لقوة ووعي النقابات العمالية خاصة –؛ فعلى سبيل المثال بلغ عدد الإضرابات في الولايات المتحدة الأمريكية في العشرية الممتدة بين سنتي 1988-1998، قرابة 3210 إضرابا، شارك فيه 2303000 عامل، وكان سببا في خسارة قومية قدرت بـ 33410000 يوم عمل(1).
ثالثا : اللامبالاة والتخريب :
المسؤولون عادة يحافظون على صيانة الآلات من الأعطال كي لا تؤثر على سلامة المنتجات وتجهيزات المنظمة، غير أنهم لا يدركون أن حجر الزاوية في المنظمة هو العامل، وأن انخفاض درجة الرضا ينعكس على مدى اهتمامه وانضباطه أثناء تأديته لواجباته مما ينجر على ذلك وقوعه في حالات من الإهمال واللامبالاة واللذان يؤديان بدورهما إلى قيام العامل بتخريب أدوات الإنتاج، أو حتى إلحاق الضرر بالمنتج ذاته (2).
والخلاصة أنه من أجل القضاء على هذه الآثار أو على الأقل التخفيف منها، وجب الاهتمام بتحسين الظروف المادية المحيطة بالعامل (الإضاءة، التكييف، الحرارة، الغبار ...) وبيئة العمل الاجتماعية (العلاقات مع الرؤساء، الزملاء، الأنظمة العمالية ....)، وكل ما يتعلق بواقع العمل وحاجاته ورغباته لأن هذه الآثار تؤدي إلى إضعاف المنظمة وزيادة تكاليفها.
الفرع الثاني : آثار الرضا الوظيفي.
للرضا الوظيفي آثار إيجابية بالغة على المنظمات بشكل عام، ويمكن تلخيص أهمها في: أثره على الأداء، الولاء والصحة العضوية والعقلية للأفراد.
أ- الأداء : 
يقصد بالأداء :" قيام الفرد بالأنشطة والمهام المختلفة التي يتكون منها عمله كما ونوعا" (3)؛ فلقد كانت العلاقة الفعلية بين الرضا الوظيفي والأداء موضوعا لكثير من الأعمال والبحوث وموضوعا للجدل بين المنظرين على اعتبار أن هذين المتغيرين من أهم المتغيرات التنظيمية فعالية، ويمكن تلخيص أهم الاتجاهات في هذا الباب كالتالي:


أولا : الإتجاه الأول : 
ويرى أصحاب هذا الاتجاه أن الرضا يؤدي إلى تحقيق الأداء المرتفع وفسر ذلك بأن العامل إذا ارتفع رضاه عن عمله زاد حماسه للعمل، مما ينتج عنه إقبال وامتنان كبيران اتجاه عمله، وهذا يؤدي بالضرورة إلى ارتفاع عمله وإنتاجيته (1)والعكس صحيح، أي أن الانخفاض في الرضا يشعر العامل بالقلق وعدم الاستقرار مما ينعكس سلبا على مستوى أدائه، وتفسر هذه الحالة بأن الأداء هو نتيجة طبيعية ومنطقية لحالة الرضا التي يكون عليها العامل، وهذا ما أوضحته تجارب هاوثورن ودراسات كل من ليكرت، مارش، سيمون وتريندرس وغيرهم(2) .
ثانيا : الإتجاه الثاني(3): 
ويرى أن لا علاقة بين الرضا والأداء؛ فقد قام الباحثان برايفيلد وَكروكيت (1955) باستعراض نتائج البحث الذي أجري حول العلاقة بينهما (الرضا والأداء) والتي تؤيد عدم وجود ما يؤكد هذه العلاقة، حيث كان معامل الارتباط في كل مرة منخفضا وفي كثير من الحالات غير ذي دلالة إحصائية.
ثالثا : الإتجاه الثالث(4): 
ويرى من يتبناه أن الأداء يؤثر على الرضا، إذ عند تحقيق العامل لأداء عال في ظل نظام حوافز محدد وعادل، يحصل العامل على حوافز وعوائد نتيجة أدائه المرتفع فتزداد بذلك إشباعاته المادية من جهة وتزداد مكانته بين زملائه في المنظمة، وهذا ما يدفع العامل إلى الشعور بالفخر والاعتزاز بالنفس من جهة أخرى وينعكس ذلك إيجابا على درجة الرضا الوظيفي لديه.
رابعا : الإتجاه الرابع (5):
والقائل بوجود علاقة بين الأداء والرضا، غير أنها علاقة غير مباشرة عن طريق محددات الرضا ومحددات الأداء، فالأداء يحدده الجهد المبذول في العمل، أما الجهد فيحدده كل من قيمة العوائد ومدى توقع الفرد لحصوله عليها، ومن هنا يعتبر الرضا محددا غير مباشر للأداء أما الرضا فيتحدد بناءا على قيمة ما يحصل عليه الفرد من عوائد وتقديره لمدى عدالة هذه العوائد، في حين أن العوائد التي يحصل عليها الفرد تتحدد على أساس ما يحققه فعلا من أداء، ويطلق على هذا التفسير الأخير: "نموذج بورتر ولولر" (1967) والذي يحظى قبول أوسع في العصر الحالي.


الشكل )04(: نموذج بورتر ولولر للعلاقة بين الأداء والرضا الوظيفي.

المصدر : أحمد صقر عاشور : إدارة القوى العاملة، مرجع سابق، ص60.

ويصور الباحث نور الدين شنوفي الحالات الأربعة التي يمكن أن تكون عليها علاقة الرضا الوظيفي بالأداء في النموذج التالي:

الشكل (05) : نموذج تصوري للحالات الأربعة التي تحتملها علاقة الأداء بالرضا الوظيفي.


مستوى الرضا الوظيفي
مرتفع منخفض
مســــتوى أداء العامل
مــرتفع

الشعور بالتوازن والتفوق

الشعور بالأمل في التغيير
منــخفض

الشعور بالمجاملة على حساب العمل

الشعور بالإحباط والكسل

المصدر: نور الدين شنوفي : مرجع سابق، ص201.

وعليه فإن للأداء والرضا علاقة وطيدة مما يجعل للرضا أكبر أهمية في حياة المنظمات، ومهما كان اتجاه هذه العلاقة فإنه لا يمكن الفصل بينهما.

بـ- الولاء التنظيمي (1): 
يعكس الولاء طبيعة الشعور لدى الأفراد اتجاه منظماتهم ومدى تعلقهم وتوحدهم من أجل خدمتها؛ فيتأثر الولاء بدرجة الرضا تأثرا واضحا حيث أن الراضين عن عملهم يتصفون بالتعاون وتقوية العلاقات الاجتماعية بينهم، كما أن لديهم رغبة في الحفاظ على موارد المنظمة وتحمل المصاعب دون شكوى (حسب طبيعة الأشخاص) وهي كلها مميزات الولاء التنظيمي .
جـ- الصحة العضوية والعقلية : 
بالإضافة إلى الآثار المذكورة سابقا هناك آثار أخرى وهي تلك التي تتعلق بصحة العمال ويقصد بها الصحة العضوية من ناحية، فيرى ديبراي أن الحالة النفسية لها آثار على الصحة العضـوية للعمال وبالتالي تتأثر كل العناصر السابقة (الغياب، دوران العمل التمارض، الأداء، الولاء) سلبا وإيجابا(2)، وهو الأمر الذي أكده Burke سنة 1970، حيث وجد ارتباطا بين الرضا وبعض الأعراض العضوية كالتعب، صعوبة التنفس، صداع الرأس وغيرها؛ أما Whyte فتوصل سنة 1955 إلى أن 18 % من حالات القرحة التي ظهرت في معمل واحد كانت عند العمال غير الراضين عن عملهم، كما يؤثر الرضا على الصحة العقلية من ناحية أخرى، حيث أن محيط العمل الجيد يبعث على ارتياح الحالة العقلية بعيدا عن المشاكل والاضطرابات النفسية(3)وتوصل كورنهاوسر (4)بعد دراسة معمقة سنة 1965 إلى وجود علاقة قوية بينهما (الرضا والصحة العقلية).









المبحث الثاني : العوامل المؤثرة على الرضا الوظيفي وأساليب قياسه.
المطلب الأول : العوامل المؤثرة على الرضا الوظيفي.
تقسم العوامل المؤثرة على الرضا حسب مصدرها، إلى عوامل تنظيمية مصدرها المنظمة، والأخرى ذاتية متعلقة أساسا بطبيعة العامل نفسه.
الفرع الأول : العوامل التنظيمية : 
أ- نظام العوائد(1) : 
" تمثل العوائد كافة أنواع الحاجات المادية والمعنوية التي توفرها المؤسسة لتحقيق درجات من الإشباع لعمالها وفق ما قدموه من جهد في تأدية مهامهم"، وأهمها : الأجر، الحوافز والمكافآت والترقيـة فيشعر العامل بالرضا إذا كانت العوائد توزع وفقا لنظام محدد ثابت يضمن توفرها بالقدر المناسب وبالشكل العادل .
أولا : الأجر(2):
إذا اعتمد على الربط بين الرضا وإشباع الحاجات خاصة الفيزيولوجية فإن هذا العامل ضروري جدا لتحقيق الرضا، ومهما يكن المنطلق فإنه لا يمكن إهمال العائد المالي كعنصر من عناصر تحقيق الرضا لكونه النتيجة المنطقية للجهد الذي يبذله العامل، وكأنه الاعتراف بما قدمه، ولكون النقود أو المال الوسيلة الوحيدة لاقتناء متطلبات الحياة المادية، وكونها وسيلة لتحسين ظروف الجوانب الأخرى من الحياة خارج المنظمة وهذا يعزز العلاقة بين مختلف جوانب حياة العامل .
أجريت الكثير من الدراسات حول الأجر والرضا منها : دراسة ميلر 1941، طومسن 1939 كندل وسميث 1963، والمؤكدة كلها على وجود علاقة طردية بين مستوى الأجر والرضا الوظيفي غير أن البعض مثل هرزبرغ يرون أن لا علاقة بينهما، والصحيح عكس ذلك لأنهم يرون أن الدخل يحقق الحاجات الفيزيولوجية فحسب وهنا يكمن الخطأ إذ أن الأجر هو مبعث للعزة والافتخار بالإضافة إلى إمكانية تحويل المال إلى منفعة معنوية.


ثانيا : الحوافز(1) :
"الحوافز هي مجموعة من العوامل الخارجية المقدمة من المنظمة والقادرة على إثارة القوى الفعلية الحركية المنتجة في الفرد والتي تؤثر على سلوكه وتصرفاته باتجاه مستوى معين من الأداء " .
ويتفق الجميع على أن الحوافز تشكل أحد أهم المتغيرات المستقلة للرضا والدافعية والأداء كما تؤثر على سلوك العاملين بوجه عام وليس على الرضا فحسب .
ثالثا: الترقية (2): 
يقصد بالترقية : " تقليد الموظف أو العامل وظيفة ذات مسؤولية أكبر من وظيفته السابقة ودرجة أعلى من درجتها ".
ولفرص الترقية علاقة قوية بالرضا إذ أنها ترتبط بزيادة المرتب كاعتراف من الإدارة بالجهد المبذول والالتزام، كما أن توفير الترقية يعد الفرصة المناسبة لتنمية قدرات العامل، إذ تشير بعض الدراسات إلى أن هناك علاقة طردية بين توفير فرص الترقية والرضا الوظيفي، كما يرى فروم أن العامل المحدد لأثر فرص الترقية على الرضا الوظيفي هو طموح أو توقعات الفرد لفرص الترقية، وعلى هذا يجب على المنظمة إشباع هذا الطموح بتوفير فرص الترقية وإلا انخفض رضا كل عامل طموح .
بـ- السياسات التسييرية : 
أولا : نمط الإشراف(3) : 
يعتبر نمط الإشراف كعائد للعمال يدخل ضمن العوائد النفسية التي تؤثر على سلوكهم والذي لا يقل أهمية عن العوائد المادية .
معظم الدراسات التي أجريت في هذا المجال أكدت على وجود علاقة وطيدة بين نمط الإشراف ورضا العاملين، وأن معاملة المشرف اليومية لهم لها تأثير كبير على رضاهم.
إن نمط الإشراف يعكس طريقة معاملة المسؤولين لمرؤوسيهم وكيفية التأثير عليهم بغية الوصول إلى الأهداف التنظيمية، فهناك القيادة الاستبدادية (الدكتاتورية)، الفوضوية والديمقراطية، وجل التجارب تؤكد على أن أفضلها وأكثرها تحقيقا لرضا العامل هي القيادة الديمقراطية لما تشمله من مبادئ إنسانية واجتماعية كتكافؤ الفرص، حرية الرأي، المساواة أمام القانون، العدالة والتعاون، في حدود الأهداف التنظيمية.
يرى جميل أحمد توفيق أن توسيع نطاق الإشراف يزيد من المساواة الإدارية مما يدعم سياسة غلق الأبواب أمام المستويات الدنيا (العمال) وهو ما يثير غضب وعدم رضا العمال في المنظمة (1)،غير أن Filippo ذهب إلى أن عدم وجود الإشراف الجيد يؤدي إلى زيادة الاستياء وليس إلى عدم الرضا(2). 
أما شوقي ناجي جواد فيلخص نمط الإشراف الذي يخلق درجة أعلى من الرضا في النقاط التالية(3) : 
- الأمر بالمستطاع.
- تكريم الإنجاز الجيد والمتميز.
- مشاطرة المرؤوسين مسراتهم وأحزانهم.
- خلق مناخ مشبع بروح المودة.
- يشجع الأعمال الجيدة والابتكارات الفردية والجماعية.
إن الفطنة السياسية وقدرة المسؤولين على مداراة العمال والتأثير عليهم من خلال بناء العلاقات الشخصية القوية تظفي على المنظمة أكثر تماسكا من خلال تحقيق الرضا والولاء.
ثانيا: قيم وأهداف المنظمة(4): 
كلما شعر الفرد في أي منظمة أنه يعمل من أجل أهداف ذات قيمة أو نفع بالنسبة للمجتمع كان لذلك أثر لا يمكن إنكاره على رضاه لأنه يشعر في هذه الحالة بأنه يعمل من أجل شيء يستحق الجهد والعرق.
ثالثا: سياسة المنظمة(5) :
وهي تشير إلى وجود أنظمة عمل ولوائح وإجراءات وقواعد تنظيم العمل وتوضح التصرفات وتسلسلها بشكل يسير العمل ولا يعيــقه فكلما كانت هذه السياسة تتصف بالمـــرونة، التكامل 
الاستقرار وتوافر المعلومات الكاملة يكون هناك ضمان نسبي للرضا الوظيفي. 
جـ- ظروف العمل : 
أولا : ظروف العمل المادية(1) :
بدأ الاهتمام بالظروف المادية وتأثيرها على أداء العامل منذ ظهور علم النفس الصناعي (أعمال إلتون مايو وتجارب هاوثورن) فأجرى حولها الكثير من الباحثين تجارب وبحوث في شتى أنحاء العالم، ذلك لما للمحيط المادي من تأثير على العامل وسلوكه، إذ أن للإنسان حدود وعتبات التحمل إزاء هذه العوامل الإضاءة، الحرارة، التهوية، الضوضاء، الإهتزاز، النظافة، وسائل العمل وغيرها.
وانطلاقا من تأثيرها على درجة تحمل الفرد فإنها تأثر على درجة تقبله لبيئة العمل كعلاقة متعدية وبالتالي على رضاه عن عمله، كما تشير معظم هذه الدراسات إلى أن لسوء الظروف المادية ووضعيات العمل غير المريحة علاقة كبيرة بعدم رضـاه، وملاءمتها تؤدي إلى إحساسه بالارتياح النفسي والرضـا الوظيفي.
ثانيا : الظروف الاجتماعية (جماعة العمل):
يطلق اصطلاح الجماعة على أي صورة من صور التشكيل الاجتماعي المؤسس على إشباع دوافع الشعور بالانتماء إلى جماعة معينة (2).
يشير جمال الدين محمد المرسي إلى أهمية الجماعات وتأثيرها على سلوك الأفراد بصفة عامة وعلى رضاهم بصفة خاصة، حيث تؤثر جماعات العمل على الأداء والعلاقات الشخصية والاتصالات والدافعية وهي كلها ذات علاقة متعدية بالرضا الوظيفي(3).
أما أحمد صقر عاشور فيفسر هذه العلاقة بين الرضا وجماعة العمل من خلال الأهداف والمنافع المادية والنفسية التي يحققها الفرد من جماعة العمل المنتمي إليها، بالإضافة إلى أن الفرد يحقق رضا أعلى درجة حين يشبع حاجته الاجتماعية وهي حب الانتماء حسب درجة قوة هذه الحاجة لديه وكذا حسب طبيعة العمل(4). 


ثالثا: محتوى العمل(1): 
يقصد بمحتوى العمل مضمون المهام الموكلة للعمال في المنظمة فالعامل الحارس محتوى عمله هو الحراسة والإداري مهمته الأعمال الإدارية وهكذا، ولاشك أن لهذا المضمون أثره النفسي على العامل وهو ما أشار إليه هرزبرغ في أبحاثه.
ويعتبر هرزبرغ أن للمتغيرات المتصلة بمحتوى العمل كذلك دور في تحقيق مستويات أعلى من الرضا كعدد المهام، مستوى الصلاحيات الممنوحة، إمكانيات المبادرة والمشاركة في العمل وغيرها، كما يقترح هرزبرغ الحلول التالية:
- الإثراء الوظيفي :
إن مدخل الإثراء الوظيفي يفترض أنه على المديرين زيادة عدد المهام التي يؤديها العامل وكذلك درجة سيطرة الفرد على ما يؤديه من مهام مع استبعاد بعض نواحي الرقابة على الوظيفة وتفويض متزايد من السلطة للعاملين.
- التكبير الوظيفي :
باعتبار أن الفرض الأساسي لشعور الأفراد بالإحباط وعدم الرضا عما يؤدونه من عمل هو أداء نفس العمل كل يوم فإن التكبير الوظيفي قد استخدم لزيادة عدد ونوع المهام التي يقوم بها الفرد في مجال عمله، ونتيجة لذلك فإن العاملين يقومون بأداء عدد متنوع من المهام والتي تؤدي إلى التقليل من الروتين وبالتالي التقليل من شعورهم بعدم الرضا الوظيفي.
وقد استخدمت هذا المدخل بعض الشركات مثل: شركات IBM, AT&T Maytag وغيرها.
- التدوير الوظيفي : 
يتضمن التدوير الوظيفي تحريك العاملين بشكل منتظم من وظيفة إلى أخرى ، ويستعمل هذا المدخل خاصة في أغراض التدريب وزيادة مهارة ومرونة الأفراد في أداء العمل.





رابعا : ساعات العمل (برنامج العمل) 1)
يختلف الأفراد في الوقت المفضل للعمل، فمنهم من يفضل العمل نهارا ومنهم من يفضله ليلا ومنهم من يميل للعمل بلا انقطاع كما فيهم من يرتاح لنظام الذي يحتوي فترات راحة أكثر وهكذا.
وعليه فإن للتفضيلات الساعية للعمل أثرا بالغ الأهمية على رضا العاملين وإن كانت مدة العمل متفق عليها، فلا بد من إدخال فترات راحة كإجراء للحفاظ على نمط جيد للأداء ذلك لما لها من تأثير إيجابي على الفرد نفسيا وعضويا، وبناءا على ذلك راح الكثير من الباحثين يجربون الأوقات المناسبة لإدخالها والمقدار اليومي أو الشهري الملائمين، ومهما كانت النتائج فإنه كلما وفرنا للفرد حرية استخدام وقت للراحة وزدنا من هذا الوقت كلما زاد رضاه عن عمله، وكلما تعارضت ساعات العمل مع وقت الراحة أو حرية الفرد في استخدامه له كلما انخفض رضاه.
الفرع الثاني :العوامل الشخصية للرضا. 
أظهرت الدراسات أن الرضا الوظيفي يتأثر بشخصية الفرد، فهناك أناس بطبائعهم وشخصياتهم أقرب إلى الرضا أو الاستياء ومن أهم هذه المسببات ما يلي:
أ - إحترام الذات (2):
كلما كان هناك ميل لدى الأفراد للاعتدال بالرأي واحترام الذات والعلو في قيمتها وقدرها كلما كان أقربا إلى الرضا الوظيفي، أما أولئك الأشخاص الذين يشعرون بانتقاص في قيمتهم وقدرهم فإنهم عادة ما يكونون أقرب إلى عدم الرضا عن وظائفهم.
ب - تحمل الضغوط (3):
كلما كان الفرد أكثر تحملا للضغوط في العمل، وحسن تصرفه في التعامل والتكيف معها كلما كان أكثر رضا مقارنة مع غيره، أما الأفراد الضيقة صدورهم من المشاكل التنظيمية والتفاعلات العمالية فإنهم ما يلبثوا أن يفقدوا رضاهم الوظيفي.



جـ - المكانة الاجتماعية(1) :
المكانة الاجتماعية للعامل أو في السلم الوظيفي تدعم رضاه وتعزز شعوره، في حين أن تدهور هذه المكانة غالبا ما تؤدي إلى الاستياء وعدم الرضا.
د - الرضا العام عن الحياة(2) :
يغلب على الأفراد السعداء في حياتهم أن يكونوا سعداء في وظائفهم، أما التعساء في حياتهم وغير الراضين عن نمط حياتهم العائلية والاجتماعية فإنهم عادة ما ينقلون هذه التعاسة إلى عدم رضا ومشاكل وصراعات تنظيمية.
ويمكن تلخيص وتدعيم أهم العوامل المؤثرة على الرضا الوظيفي بالجدول التالي:
الجدول رقم (03) : العوامل المؤثرة على الرضا الوظيفي حسب مصدرها.
العوامل المؤثرة على الرضا الوظيفي للعاملين
عوامل متعلقة بالعامل عوامل متعلقة بالوظيفة عوامل متعلقة بالمؤسسة عوامل متعلقة بالبيئة
*عامل السن.
*الأقدمية في العمل
*نوع الجنس.
*المستوى التعليمي.
*أهمية العمل للعامل.
*شخصية العامل )إتجاهاته، قيمه،معتقداته، وطموحه(.

من حيث طبيعة تصميم الوظيفة: *درجة تكبير الوظيفة.
*درجة إثراء الوظيفة.
*السيطرة على الوظيفة.
*طبيعة الوظيفة.
*المشاركة في اتخاذ القرار.
* المستوى التنظيمي للوظيفة. من حيث أداء العامل للوظيفة
* الشعور بالإنجاز.
* الأجر و الحوافز.
* فرص الترقية. 
* الشعور بالأمن الوظيفي.
* العلاقات مع الآخرين. * مدة و توقيت العمل.
* ظروف العمل المادية.
* أساليب العمل.
* الإجراءات القانونية للعمل.
* نظم الاتصال.
* التكنولوجيا.
* نمط القيادة و الإشراف. * مدى رضا العامل عن الحياة بصفة عامة.
* نظرة المجتمع للموظف.
*الانتماء الديموغرافي
) حضري،ريفي(.
* إختلاف الجنسية.
* البيئة الاجتماعية و الثقافية الداخلية والخارجية.

المصدر :نور الدين شنوفي : مرجع سابق، ص192.
المطلب الثاني : أساليب قياس الرضا الوظيفي. 
تندرج أهمية قياس الرضا الوظيفي من أهمية المقاس (الرضا) كأحد أهم أهداف وبرامج الإدارات في العصر الحالي، و لقد كان سائدا في ما سبق أنه من الصعب قياس الرضا الوظيفي بدقة، وهو ما يعتبر خطأ في حق التقدم الهائل الذي حدث في العقود الستة الماضية في قياس المتغيرات الضمنية الكيفية المتعلقة بخصائص الأفراد مثل الشخصية، الاتجاهات النفسية، الدافعية، الرضا وغيرها.
وكان ثيرستون أول من نبه إلى عدم استحالة قياس أية ظاهرة، طالما أن الظواهر توجد بمقادير، إلا أن ذلك لا يعني عدم وجود صعوبات في عملية القياس ولا ينفي وجود بعض التقريب(1).
يقسم الأخصائيون مقاييس الرضا إلى رسمية وغير رسمية، موضوعية وذاتية، والتقسيم الأخير هو ما يعتمد عادة من طرف الكتاب .
الفرع الأول : المقاييس الموضوعية للرضا.
ويقصد بها كل المقاييس التي تفيد في معرفة درجة الرضا الوظيفي من خلال الآثار السلوكية له مثل الغياب ودوران العمل، وهذا النوع من المقاييس يغلب عليه الطابع الموضوعي لأنه يستخدم الأساليب الموضوعية إذ هو عبارة عن رصد مضبوط لسلوك العمال كمسك السجلات للغيابات ودوران العمل.
أ- معدل الغياب : 
معدل الغياب يعكس مدى انتظام الفرد في عمله، وهو مؤشر يمكن استخدامه للدلالة على درجة الرضا الوظيفي للعامل؛ فالفرد الراضي يكون أكثر ارتباطا بالعمل وأشد حرصا على الحضور مقارنة بمن يشعر بالاستياء من عمله، لذلك فإن احتفاظ الإدارة بسجلات الحضور والغياب لكل عامل وكل مجموعة عمل أو قسم في المنظمة يتيح لها تتبع معدلات الحضور والغياب واكتشاف أي ظاهرة اختلال تستدعي الدراسة والعلاج.
ويحسب معدل الغياب عادة بطريقة وزارة العمل الأمريكية كالتالي(2) :
مجموع عدد أيام الغياب للأفراد
معدل الغياب خلال فترة معينة = × 100
متوسط عدد الأفراد العاملين
وتختلف طرق استعمال هذا المعدل حسب احتياجات المنظمة فقد تعتبر فترات مثل : شهر، فصل ستة أشهر، موسم، وأيضا بالمقارنة بين المنظمات من نفس النشاط أو النوعية تتخذ كمعيار لاستخراج دلالات الرضا أو عدم الرضا(1).
إلا أنه يعاب على هذا المؤشر في كونه لا يقف عند مبررات الغياب، فليست كل الغيابات تعبر عن الحالات الشعورية اتجاه العمل فقد يتغيب العامل بسبب المرض، الحادث، تعطل النقل أو الظروف العائلية وغيرها من الأسباب المشروعة أو المبررة، وهـو التفسير الذي أدركه تعريف Bélanger وزملائـه(2) للغياب على أنه:" عدم تقدم الفرد لعمله بغض النظر عن مشروعية أو عدم مشروعية ذلك ". 
ب- دوران العمل :
يمكن استخدام معدل دوران العمل أو ترك الخدمة الذي يتم باختيار الفرد (إستقالته) كمؤشر لدرجة الرضا الوظيفي، وعليه فإن البيانات الخاصة بترك الخدمة الاختياري يمكن استخدامه لتقييم فاعلية مختلف البرامج من زاوية تأثيرها على الرضا.
ويحسب معدل دوران العمل كما يلي(3):
عدد حالات ترك الخدمة خلال فترة
معدل ترك الخدمة خلال فترة معينة = × 100 
إجمالي عدد العاملين في منتصف الفترة
وينتقد المقياسين السابقين بــ: 
- معدلي الغياب ودوران العمل يشيران على وجود مشاكل في التنظيم دون تحديدها.
- لا يطبق هذين المقياسين في كل المجتمعات بشكل معياري، فعدم ترك الخدمة وعدم الغياب لا يعبران عن رضا الأفراد في المجتمعات الفقيرة، خاصة في ظل كساد سوق العمل.
- تختلف ظروف الغياب وترك العمل بين العمال إلا أن المعدلين يساويان بين هذه الظروف ولا ينظران في حقيقتها.
- تحتاج المنظمة إلى استجواب العمال لدعم مصداقية المعدلين وتصحيحهما.
الفرع الثاني : المقاييس الذاتية للرضا الوظيفي :
ويقصد بالمقاييس الذاتية الحصول على تقارير من جانب الأفراد أنفسهم عن درجة رضاهم الوظيفي سواء كتابية (الإستمارة) أو شفهية (مقابلة شخصية).
أ- الإستمارة :
" وهي نموذج يظم مجموعة أسئلة توجه إلى الأفراد من أجل الحصول على معلومات حول موضوع أو مشكلة أو موقف ما".(1)
أولا: الإستمارات الأكثر شيوعا (2):
تحضى الاستمارة برواج في الاستعمال في مختلف البحوث الاجتماعية ومن الاستمارات الأكثر شيوعا:
- دليل وصف العمل: (job descriptive index)
وتحتوي على خمسة أسئلة حول العمل نفسه، الأجر، فرص الترقية، الإشراف، ا لزملاء أما الإجابات فهي: نعم، لا، لا أعرف .
وصمم هذا النموذج كل من: .Kendall ,Smith, Hulin
- إستبيان جامعة منسوتا للرضا: (Minnesota satisfaction questionnaire) 
وهو يستخدم طرق مختلفة حيث يكمل الأفراد معدل القياس هذا إلى الحد الذي يكونون إما راضين أو غير راضين عن جوانب مختلفة من وظائفهم ( الأجر، فرص الترقية والتقدم، النقل ..)؛ أما الإجابات المقترحة فهي متدرجة من راضي تماما إلى غير راضي وهاتان الطريقتان السابقتان تركزان على جوانب متعددة من الرضا الوظيفي.
صمم هذا الاستبيان كل من : Davis, Englande, Lefquist Weiss.
- إستبيان بيان الرضا الوظيفي : (Inventaire de satisfaction questionnaire)
وهو يشمل أسئلة متنوعة حول كل جوانب الوظيفة التي يشغلها العامل، والذي صممه كل من ViaTor وَ Laroche .

- إستبيان الرضا عن الأجر : Satisfaction Questionnaire) (Pay
وهو استبيان حول أنظمة الأجور ويتضمن أسئلة حول الرضا عن العوائد النقدية مثل الرضا عن مستوى الأجر، العلاوات، الزيادة في الأجر، المزايا الإضافية وإدارة نظام الأجر.
ثانيا: محتويات الإستمارة:
تتضمن الاستمارة عامة على محورين أساسيين هما : (1)
- تقسيم الحاجات :
في هذه الطريقة تصمم الأسئلة التي تحتويها قائمة الاستقصاء بحيث تتبع تقسيما عاما للحاجات الإنسانية؛ مما يمكن من الحصول على معلومات من الفرد عن مدى إشباع العمل لمجموعات الحاجات المختلفة لديه.
- تقسيم الحوافز:
في هذه الطريقة تصمم الأسئلة التي تحتويها قائمة الاستقصاء بحيث تتبع تقسيما عاما للحوافز المقدمة من طرف المنظمة والتي تعتبر من العوامل المؤثرة على الرضا الوظيفي.
ب- المقابلة الشخصية : 
تعرف المقابلة على أنها: " تفاعل لفظي يتم عن طريق مواجهة يحاول فيه الشخص القائم بالمقابلة 
أن يستثير معلومات أو آراء أو معتقدات شخص أو أشخاص آخرين للحصول على بعض البيانات(2) ".
وللمقابلة أنواع فقد تكون منظمة (إجتماع رسمي) أو غير منظمة (لقاء عفوي)؛ فتسمح المقابلة بوصف وكشف جوانب العمل التي لا يمكن تقديرها عن طريق المقاييس الأخرى، بالإضافة إلى أنها مفيدة في استجواب الأميين أو الذين يتعذر عليهم الإجابة عن الاستمارة كتابة، كما أنها تزيل اللبس والغموض في الأسئلة والتحقق من صحة الإجابات.
أما عيوبها فتتمثل في أن طريقة الأسئلة تختلف من موقف إلى آخر، ومن شخص إلى آخر مما يؤثر على طريقة الإجابة؛ وبالتالي يؤثر على موضوعية المعلومات، كما تتطلب المقابلة وقتا طويلا لإجرائها وأناسا مدربين عليها (3).
الفرع الثالث : طرق شهيرة لقياس الرضا:
أ- طريقة ثيرستون: 
يبنى هذا المقياس باستعمال عبارات عادة ما تفوق المائة عبارة لوصف مختلف العناصر التي تمس الرضا(1) ،ثم يقيم الحكام (أو المختصون) درجة الرضا التي تعبر عنه هذه العبارات، وبعد ذلك يتم استبعاد القيم ذات التباين العالي، وبذلك يتكون المقياس النهائي للرضا من العبارات ذات التباين المنخفض التي وقع عليها الاختيار، ويكون متوسط تقييم هذه العبارات هو الدرجة أو القيمة الممثلة للرضا التي تشير إليها العبارات وفق تقييم الحكام.
غير أنه في تطبيق هذا المقياس لا يتم إعطاء الأفراد معلومات عن الدرجة أو القيمة المقابلة لكل عبارة، وإنما يطلب من كل فرد أن يقرر ما إذا كان يوافق أو لا يوافق على كل عبارة من العبارات التي تتضمنها القائمة، ويكون مجموع القيم المقابلة للعبارات التي وافق عليها هي الدرجة الممثلة للمشاعر أو الرضا العام، كما يمكن تجميع العبارات التي تتعلق بمجال معين أو خاصية معينة ( الأجر، محتوى العمل الإشراف..) وحساب درجة الرضا عن هذا المجال أو الخاصية على حدى(2).
وفيما يلي نموذج ثيرستون الذي وضعه لأول مرة لقياس الرضا: 

الشكل )06(: مقياس ثيرستون للرضا.
K J I H G F E D C B A


معارض محايد مؤيد
المصدر: محمد عبد الرحمان عيسوي : دراسات في علم النفس الاجتماعي، دار النهضة العربية ، بيروت ، لبنان،1949، ص236.
كل مجموعة عبارة تحمل حرفا، ثم تحول الحروف إلى درجات: A=1, B=2……..K=11
يطلق على هذه الطريقة اسم : طريقة الفواصل المتساوية ظاهريا. 
ب- طريقة ليكرت:
كشف ليكرت عن طريقته هذه في مقال نشره في مجلة : أرشيف علم النفس، تحت عنوان : تقنية لقياس الاتجاهات.
تعتبر هذه الطريقة أسهل من سابقتها (طريقة ثيرستون)؛ إذ لا يبذل فيها جهد كبير في حساب قيم درجات العبارات حيث تتطلب المراحل التالية(1): 
- بناء مقياس ما يحتوي على عبارات مختارة صمم بعضها بصيغة الإيجاب والبعض الآخر بصيغة السلب، وتتبع كل عبارة بخمسة آراء متراوحة بين الموافقة القوية والمعارضة الشديدة .
- اختيار العينة لإجراء البحث وجمع الإجابات المختلفة.
- جمع كل النقاط بمجموع العبارات والأفراد المكونين للعينة.
- فحص انسجام نسق الإجابة لكل عبارة، ومقارنة ذلك بمجموع النقاط المتحصل عليها.
- إستبعاد العبارات غير المنسجمة مع مجموع العبارات الأخرى.
وبالإضافة إلى سهولة هذه الطريقة يلاحظ أنها لا تحتاج إلى خبراء وحكام، كما أنها تزيد من درجة ثبات المقياس لوجود عدة درجات أمام كل عبارة تتراوح بين الموافقة والمعارضة العامة (موافق بشدة، موافق، لا أدري، غير موافق، غير موافق بشدة).
كل نوع من العبارات السابقة يمدنا بمعلومات تفصيلية عن كل مفحوص وهي نقطة إيجابية تحسب لهذه الطريقة. 
تسمى هذه الطريقة بـ: طريقة التدرج التجميعي.
جـ- طريقة أسكود (2):
تتكون طريقة أسكود والتي قدمها كل من أسكود وزميليه "سيسي وَ تيني بوم" سنة 1957 من مجموعة من المقاييس الجزئية لكل جانب من جوانب العمل؛ بحيث يحتوي كل مقياس على قطبين يمثلان صفتين متعارضتين بينهما عدد من الدرجات، ويطلب من الفرد المبحوث قياس رضاه بأن يختار الدرجة التي تمثل مشاعره من بين الدرجات التي يحتويها كل مقياس جزئي كالتالي :

الشكل )07(: مقياس أسكود وزملائه للرضا الوظيفي.
الأجــــر :
مناسب غير مناسب
7 6 5 4 3 2 1
فرص الترقية :
عادلة غـير عادلة
7 6 5 4 3 2 1
ساعات العمل :
مناسبة غــير مناسبة
7 6 5 4 3 2 1
الظروف المادية للعمل :
جيدة سيــئة 

7 6 5 4 3 2 1
المصدر : أحمد صقر عاشور : إدارة القوى العاملة، مرجع سابق، ص 60.

يختار الفرد الدرجة التي تمثل مشاعره نحو كل المقاييس الجزئية ثم يتم جمع كل الدرجات في جميع المقاييس الجزئية الممثلة لجوانب العمل ليكون المجموع ممثلا لدرجة رضاه ولاستخراج المتوسط الحسابي نقوم بقسمة مجموع النقاط على عدد الصفات أو المقاييس .
تسمى هذه الطريقة بـ: طريقة الفروق ذات الدلالة . 

د- طريقة هرزبرغ(1): 
تقوم هذه الطريقة على توجيه سؤالين رئيسيين للأفراد المراد قياس مشاعرهم على النحو التالي :
- يطلب محاولة تذكر الأوقات التي يشعر فيها العامل بالسعادة الغامرة التي تتعلق بعمله خلال الفترات الماضية (شهر، سنة، شهرين...إلخ ) ثم وصف بالتفصيل لكل مرة شعر بهذا الشعور (الأسباب).
- يطلب محاولة تذكر الأوقات التي يشعر فيها العامل بالاستياء الشديد الذي يتعلق بعمله خلال الفترات الماضية (شهر، سنة، شهرين..إلخ) ثم وصف تفصيلي لكل مرة شعر بهذا الشعور (الأسباب).
لقد كانت هذه الطريقة تسأل عن واقعة واحدة بالنسبة لكل سؤال من السؤالين السالفـي الذكر، غير أن الحصول على معلومات أوفر عن الوقائع المسببة للسعادة وتلك المسببة للاستياء يقتضي توسيع دائرة الأسئلة لتشمل أكثر من واقعة حسب ما يدلي بها الفرد .
وتسمى هذه الطريقة بـ:طريقة الوقائع الحرجة .
وفي خلاصة هذه المقاييس تجدر الإشارة إلى أن هناك مقاييس أخرى لقياس الرضا كسلم "بوجاردوس" الذي استعمل سنة 1925، وهو نوع من الاختبارات يشمل عدة إجابات متفاوتة في الدرجات تدرجها من السلب إلى الإيجاب، وسلم "غوتمان" الذي يقوم على اعتبار أن المفحوص يجيب على أسئلة لا تبدو ذات علاقة مباشرة بالرضا، تتكون الإجابة من اقتراحات مغلقة من نوع : "نعم" وَ "لا" مرتبة حسب سلم تصاعدي من السلب إلى الإيجاب.
إلا أن هذه المقاييس غير رائجة الاستعمال لأنها تركز على مبادئ على شاكلة مبادئ الطرق السابقة. 


المبحث الثالث : علاقة التنظيم غير الرسمي بالرضا الوظيفي .
المطلب الأول : أثر التنظيم غير الرسمي على الرضا الوظيفي .
للتنظيم غير الرسمي آثار واضحة على الرضا الوظيفي من خلال مكوناته وخصائصه، فلكل من القيادة، الإتصال، التعاون، الصراع والأهداف الناتجة عنه دور بارز في تحقيق أو خفض درجة الرضا بين العاملين. 
الفرع الأول : أثر القيادة غير الرسمية على الرضا الوظيفي .
تصنف القيادة إلى نوعين : قيادة موروثة وفي هذا النوع فإن السلوك القيادي الموروث ينتج عن مجموعة من السمات أو الخصائص التي توجد في الأفراد منذ ولادتهم، ويتمثل ذلك في الطموح، الابتكار والعدالة، أما القيادة المكتسبة فتذهب إلى أن السلوك يتم اكتسابه من خلال تعلم الفرد لكيفية التفاعل مع المتغيرات في البيئة ويكتسب ذلك من خلال العمل مع الجماعات والتفاعل مع أعضائها(1).
ويرى أحمد رشوان أن القائد غير الرسمي يحمل النوعين (المكتسبة والموروثة) مما يؤهله إلى شروط النجاح الثلاثة : الرضا، الفعالية والكفاءة، كما يرى ضرورة التفرقة بين القيادة والمكانة، لأن القيادة هي نفوذ متقبل للشخص بين جماعته؛ أما المكانة فهي الوضع التنظيمي للقائد وهو نفوذ مفروض قد لا يحضى بالقبول(2).
أما B,Bass فيرى أن القائد لا يحضى بالقبول والرضا من طرف المرؤوسين إلا إذا احتفظ بالعناصر الرسمية وغير الرسمية في قيادته، كما يؤكد أن الهدف من الانضواء تحت القيادة غير الرسمية أصلا هو تحقيق الحاجات المادية والمعنوية (3)، ومعلوم أن تحقيق الحاجات سبب في زيادة الرضا.
كما يفسر كل من : Hodgetts,R وَ Allman العلاقة بين القيادة غير الرسمية والرضا في أن الفرد يسعى من خلال الجماعة إلى تحقيق حاجة الانتماء مادام الانتماء اختياريا، وبالتالي تتحقق درجة 
رضا أعلى في حين أن بعض الأفراد لا يميلون إلى العلاقات الشخصية ولا يفضلون السيطرة والهيمنة مما يثير وجودها استياءهم وعدم رضاهم(4).
الفرع الثاني : أثر الاتصال غير الرسمي على الرضا الوظيفي .
يتم الاتصال غير الرسمي بين الأفراد حين تتصف العلاقات في ما بينهم بالاستقلالية عن الأعمال الوظيفية والسلطة الرسمية، فيكون بين هؤلاء الأفراد نوع من التجانس والتآلف وإشباع الحاجات مما يؤدي إلى دعم شعورهم عن ظروف العمل الاجتماعية الأمر الذي يرفع من درجة رضاهم الوظيفي، فدلت البحوث أنه في الأوضاع الطبيعية أن أكثر من 75% من المعلومات التي تتم عن طريق الأسلوب العنقودي (غير الرسمي) للاتصال صادقة وصحيحة، فهذا التبادل للمعلومات يحقق إشباعا للحاجات الاجتماعية والأمن للأفراد، كما يدعم الاتصال غير الرسمي الحياة الاجتماعية في المنظمة مما يحقق لها مزايا عن طريق توفير منافذ للتعبير وإدراك عاطفة الأفراد، وهو ما يسهل على التنظيم تدارك جوانب عدم الرضا بين الجماعات(1).
و خلال تجربة نموذجي العجلة والدائرة تم قياس مجموعة من المتغيرات وهي: سرعة الاتصال، عدد الأخطاء في الاتصال، التعرف على قائد الاتصال وأخيرا درجة الرضا، فقد توصل الباحثون إلى أن الاتصال الحر والديمقراطي- وهما ميزتي الاتصال غير الرسمي - يتصف أعضاؤه بدرجة أكبر من الرضا. (2)
أما الجانب المحبط للرضا والروح المعنوية هو ما يحدثه الاتصال غير الرسمي من خلال الإشاعات من شقاق وخلاف وسوء فهم للرسائل التنظيمية، وخاصة إذا كانت المعلومات معممة وليست من مصدر رسمي، ويكفي أن تحتوي بعض الحقائق لكي يتم تصديقها أو استنتاج أشياء منطقية ومن ثمة توصف بالصحة(3) .
ويضيف كل من M.Hugues وﹶ J.Sumpf أن العمال قد يضيفون أو يخفون بعض التفاصيل من الرسائل الرسمية أثناء نقلها أو تحريرها مما يُحدِث تحويرا شاملا في محتواها، فتصبح بذلك إشاعة رائجة بينهم، ويعرفان الإشاعة في هذا الصدد على أنها :"مجموعة من الأوصاف، التنبؤات والتعديلات لأحداث معينة والتي اختلقت أساسا في اللقاءات والاتصالات غير الرسمية والتي لم تؤيد من قبل مصادر ذات حجة ولكنها مع ذلك تصان من قبل التنظيمات غير الرسمية".(4)
وتؤدي الإشاعات إلى خلق العديد من الآثار السلبية منها : 
- تحوير وتغيير الحقائق المنقولة.
- إنتشار الأخبار المزيفة في المنظمة.(1)
- أثر سلبي على معنوية ورضا العاملين.(2)
- المبالغة في نقل الأخبار الصحيحة بالإضافة إلى خلق العداوة بين أعضاء التنظيم ككل.(3)
وعليه فإن للإشاعات دورا في زعزعة المناخ التنظيمي في المنظمات مما يخلق عدم الاستقرار الذي يؤدي إلى عدم رضا العاملين الوظيفي. 
الفرع الثالث : أثر الأهداف غير الرسمية على الرضا الوظيفي.
تعكس الأهداف غير الرسمية في مجملها إنتاجية التنظيم غير الرسمي ومستوى أدائه ودرجة وعيه فيرى ناصر محمد العديلي أن هدف التنظيمات غير الرسمية بالأساس هو تحقيق روح معنوية أعلى ودرجة رضا مرتفعة من خلال الإنجازات المحققة ضمن الإطار غير الرسمي لتفاعلهم مع بعض.(4)
وأظهرت نتائج أجريت حول أسباب الرضا الوظيفي في منظمات حكومية أن 84% من الذين لهم علاقات شخصية مع الزملاء والرؤساء والمرؤوسين هم راضون عن عملهم، مما يؤكد أن التفاعل وبناء العلاقات الشخصية والانتماء هي في ذاتها أهـداف التنظيم غير رسمي المدعمة للرضا الوظيفي.(5)
إن الطريقة العفوية التي تتآلف بها التنظيمات غير الرسمية تحقق حاجات نفسية من ناحية، ثم إن دورها النقابي يحقق مطالبا مادية إضافية أمام الإدارة من ناحية أخرى، فالتنظيم غير الرسمي يوجد الجو والمناخ التنظيميين المناسبين لأعضائه نحو إشباع الحاجات التي تنمي الشعور الإيجابي للأفراد داخل المنظمة.(6)
على المنظمة محاولة خلق التقارب بين الأهداف الرسمية وأهداف التنظيم غير الرسمي في حدود سلامة الأهداف العامة الرئيسية والاستراتيجية ومحاولة مشاركة العاملين في القرارات وإشعارهم بالأهمية لأن ذلك يؤدي بالضرورة إلى الابتعاد عن حالات التوتر والصراع وعدم الرضا.
الفرع الرابع : أثر التعاون على الرضا الوظيفي.
يتضمن التعاون المساعدة المتبادلة التي تشمل الأفراد والجماعات والتي تحقق مكاسبا لكل الأطراف بشكل متساوٍ؛ فهناك أفراد مستعدون للتضحية حتى بأرواحهم دون انتظار أي مقابل، ولكن مثل هذه التصرفات تبدو فعلا نادرة وفي معظم الأحيان يتوقع من يقوم بها شكلا ما من العوائد النفسية مثل الشعور بالرضا للقيام بالعمل والتصرف بشكل ملائم، أو السعادة لرؤية الآخر سعيدا وراضيا، إن هذا السلوك موجود فعلا داخل المنظمات وهو ما ساعد في نجاحها، حيث أن تصرفات التنظيم غير الرسمي تتخطى المتطلبات والأهداف الرسمية في أعماله (متطلبات غير رسمية) والتي هي أعلى من نداء الواجب.(1) 
ويؤدي خلق التعاون في إطار جماعات العمل العفوية غير الرسمية إلى رفع درجة الرضا الوظيفي لأن هذا التعاون في الحقيقة هو زيادة الاتصال والتفاعل بين الأفراد الذين يربطهم جذب متبادل، أما التعاون المفروض قد يرغم العامل على التعامل مع أفراد يخلقون له توترا، لذلك فالعامل يكون جماعات عمل غير رسمية صغيرة داخل الجماعة الرسمية الكبيرة للتعاون مع أعضائها، وهذا يحقق له سعادة معينة ودرجة من الرضا.(2)
وهناك نوع من التعاون غير الرسمي يسميه سعيد أنور سلطان بـ : "صفارات الإنذار" ويشمل كشف العاملين للسلوكات غير المشروعة وغير الأخلاقية والممارسات الاحتيالية من قبل العاملين الآخرين والقدرة على فعل شيء ما حيال ذلك (رقابة اجتماعية للتنظيم غير الرسمي(، وهي بطريقة غير مباشرة رفض لما قد يثير غضب وعدم رضا العاملين من سلوك غير مرغوب فيه (3).

الفرع الخامس: أثر الصراع على الرضا الوظيفي. (1)
ينتج الصراع في غالب الأحيان لأسباب شخصية ناتجة عن علاقات الأفراد ببعضهم البعض، سواء بين العمال أو بين العمال و الإدارة.
و للصراع آثار سلبية متعددة وأولها المشاعر البينية نحو الأفراد والمنظمة ) الرضا الوظيفي( والتي قد تقلل بدورها من درجة التعاون والتماسك بين الأعضاء في المنظمة، وليس الصراع حالة سلبية على الدوام؛ حيث أن له آثارا إيجابية لأن إدارة الصراع والتحكم فيه يكشفان المشاكل التي تريد المجموعات إخفاءها ويجعلان الصراع يحدث التقارب بين وجهات نظر أطراف الصراع مما يرجع الوضع إلى حالة صحية أقوى تدعم الرضا الوظيفي للأفراد.
المطلب الثاني: أثر الرضا الوظيفي على التنظيمات غير الرسمية.
للرضا الوظيفي دور في نشاط وحركية وحتى نشأة التنظيمات غير الرسمية؛ فيفسر"آرجيريس" (2) هذه العلاقة في أن الأفراد في حالة كفاية المكافآت المادية وتحقيق إشباع مرتفع يقومون بتشكيل جماعات اجتماعية غير رسمية لتدعيم التفاعل ومن ثم تحقيق الحاجات الاجتماعية وهي النصف الثاني من الحاجـات، أما في حالة عدم كفاية الحاجات المادية وعدم رضاهم عن عملهم فيكون انتماؤهم وتشكيلهم للجماعات غير الرسمية من أجل دعم الدور النقابي لهم والمطالبة بحقوقهم المادية كالأجر، الترقية و المكافآت، ويتم ذلك من خلال :
الفرع الأول: الإضراب.
يعرف الإضراب على أنه :" إيقاف أو رفض للعمل متفق عليه يسعى العمال من خلاله إلى الحصول على تحقيق مطالبهم. "(3) 
ورغم أن الإضراب يحقق في كثير من الأحيان بعض المطالب، إلا أنه قد يؤثر سلبا على درجة الرضا من خلال حدوث بعض الخلافات و الصراعات الداخلية بين التنظيم غير الرسمي والإدارة، وانشقاق التنظيمات غير الرسمية مع النقابة العمالية الرسمية (4). 
الفرع الثاني : تقييد الإنتاج. 
التعارض والصراع بين التنظيم غير الرسمي والتنظيم الرسمي قد يؤدي بالمنظمات إلى وضعيات سيئة جدا لما للتنظيم غير الرسمي من قوة ونفوذ في مواقف العمل بالإضافة إلى ولاء أعضائه له، فمن بين الموافق التي يلجأ إليها أعضاء التنظيم غير الرسمي ظاهرة تقييد الإنتاج والتي تعرف بـ:" أن ينتج العامل كمية أقل مما يستطيع إنتاجها". (1) 
تشير نتائج بحوث هاوثورن على لامبالاة التنظيمات غير الرسمية نحو المكافآت المالية، إذ بقي مستوى الإنتاج عند عتبة الـ 6000 وحدة في اليوم رغم أن الزيادة في الإنتاج ستؤدي إلى حصولهم على مكافآت مادية أكبر، غير أن الحاجات التي يريد التنظيم غير الرسمي تحقيقها هي حاجات نفسية ترفع من درجة رضا أعضائه والمتمثلة في الانتماء والعلاقات غير الرسمية مع زملاء العمل، لذلك كان كل عامل ينتج أكثر من هذه الكمية التي حددها التنظيم غير الرسمي يوقف فورا عند حده. (2)
و يلاحظ من هذا التفسير أن عدم الرضا الوظيفي والناتج عن أسباب تنظيمية خاصةً يزيد من حجم التنظيم غير الرسمي، بفعل حاجة الأفراد إلى العلاقات غير الرسمية كبديل عن العلاقات التنظيمية الرسمية ويتضاعف تماسكه ليكون وسيلة لرفع درجة الرضا كعلاقة عكسية.
وحسب أحمد رشوان (3) فإن الأفراد غير الراضين عن نمط الإشراف في المنظمة يلجؤون إلى التنظيمات غير الرسمية باعتبارها تحتوي على قادة أكثر ديمقراطية وحرية اجتماعية والتي من شأنها خلق حالة من الارتياح نحو هؤلاء القادة ) الرضا عن النمط القيادي الاجتماعي (.

خلاصــة الفصل:
تم التعرف في هذا الفصل على طبيعة الرضا الوظيفي وأبعاده، وكذا مدى أهميته من خلال آثاره التي يلحقها بالمنظمات الصناعية وغيرها، فالغياب، دوران العمل، التمارض، الإصابات وغيرها كنتائج سلبية لعدم الرضا وارتفاع الأداء، الولاء التنظيمي، الصحة كنتائج إيجابية تؤكد هذه الأهمية، كما تم استخلاص العوامل المسببة للرضا ولعدمه والكامنة في العوامل التنظيمية وأهمها نظام العوائد، السياسة التسييرية للمنظمة وظروف العمل في حد ذاته، بالإضافة إلى عوامل شخصية نابعة من طبيعة الشخص كمدى احترامه لذاته وتحمله للضغوط، مكانته الاجتماعية ورضاه العام عن الحياة.
أما عن عملية قياس درجة الرضا فتبين أنها عملية غير مستحيلة على اعتبار أن المتغيرات الكيفية يمكن قياسها بشيء من الدقة – مع بقاء بعض التقريب- عن طريق المقاييس الموضوعية أو الذاتية.
وأخيرا تم الكشف نظريا عن أثر التنظيم غير الرسمي على الرضا الوظيفي بواسطة القيادة، الإتصال الأهداف غير الرسمية، التعاون غير الرسمي والصراع الذي يحدثه، وبالمقابل فإن للرضا هو الآخر أثره على نشاط وحجم التنظيمات غير الرسمية ومدى وعيه ونوع أهدافه.
وبعد الإطلاع على كل من التنظيم غير الرسمي والرضا الوظيفي والعلاقة بينهما يتم الانتقال إلى الفصل الثالث حيث تخضع هذه العلاقة للدراسة الميدانية. 
الثلاثاء, ديسمبر 05, 2017

تعليقك يساهم في تطوير المحتوى ويزيد من الفائدة بمشاركتنا بأفكارك واقتراحاتك , رأيك يهمنا فساهم بتعليقاتك معنا
يرجى عدم وضع روابط خارجية في التعليقات لضمان نشرها

عدد المواضيع