مواضيع الثقافة العامة لمسابقات التوظيف اقتصاد السوق والسياسات الاجتماعية



اقتصاد السوق والسياسات الاجتماعية

-         تعريف إقتصاد السوق:
يسمى كذلك بالاقتصاد الرأسمالي ، ويقوم على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج والمبادرة الفردية ويخضع لتفاعل العرض والطلب داخل السوق.
إن المؤسسات الثلاثة الرئيسية اللازمة لـ"البنية التحتية الخفيفة" في اقتصاد السوق هي: النظام القانوني، ونظام المحاسبة، والمواقف الثقافية. هذه المؤسسات، إذا ما اجتمعت سوية، فهي أشبه بكرسي بثلاثة أرجل، حيث أن أي ضعف أو قصر في إحداها سيقلل من استقرار الكرسي إلى حد كبير.
- تعريف اقتصاد السوق الاجتماعي:
أحسن المصطلحات والشعارات لا تعني شيئاً، إذا لم تؤكد الممارسة مصداقيتها.
واليوم في إطار الصراع الجاري مع قوى السوق الكبرى التي تريد سوق فوضى تسميها «بالحرة»، يأتي مفهوم اقتصاد السوق الاجتماعي ليفتح إمكانية، مجرد إمكانية، للقوى المناهضة لأخطار السوق الحرة، كي تمنع حدوث كارثة إذا أحسنت تنظيم قواها وعبأت قوى المجتمع معرفياً وسياسياً في الاتجاه الصحيح.
وبعبارة أدق، إن مصطلح اقتصاد السوق الاجتماعي، ليس تعويذة قادرة بلمسة ساحر على إيقاف قوى السوق الكبرى المنفلتة والمتوحشة والمرتبطة بقوى السوق العالمية، فالشكل النهائي والملموس له ستحدده على الأرض محصلة صراع القوى الاجتماعية المختلفة، والذي يجري في بيئة إقليمية وعالمية غير ملائمة مؤقتاً للقوى النظيفة في جهاز الدولة والمجتمع.
لذلك فإن وضوح صياغة المفاهيم، وإيجاد أشكالها التطبيقية على الأرض سيرتدي أهمية كبيرة بالنسبة لمآل الصراع الجاري في البلاد حول آفاق التطور اللاحق.
من هنا تأتي أهمية الإجابة الدقيقة والواضحة عن الأسئلة التالية:
1- ماهي علاقة اقتصاد السوق، حتى لو كان اجتماعياً، بأشكال الملكية المختلفة (خاص، دولة، عام، الخ)؟

-         يحاول البعض أن يتنصل من هذا الموضوع، كي يبقى الطابع الاجتماعي لاقتصاد السوق معوماً؟ والمقصود بالاجتماعي هو: مصالح أية فئة اجتماعية يجب أن يخدم في ظل وجود مصالح متناقضة في المجتمع مستحيلة التوافق فيما بينها؟ أي بكلام آخر كيف يجري توزيع الدخل الوطني في المجتمع؟ وفي نهاية المطاف ما هي العلاقة بين الأجور والأسعار؟
لذلك يبقى الكلام عن اقتصاد السوق الاجتماعي بلا معنى، إذا لم يلامس أشكال الملكية التي تؤثر على طريقة توزيع الدخل، من هنا يصبح واضحاً أن أي تراجع لدور الدولة وأشكال ملكيتها هو خطوة إلى الوراء موضوعياً فيما يخص العدالة الاجتماعية، حتى لو كان هذا الدور من خلال ما ينتجه من قيمة مضافة يجري حتى الآن ليس لصالح الجماهير الشعبية، فهذا الدور هو شرط ضروري للعدالة الاجتماعية ولكنه غير كاف إذا لم يرافقه ضرب لمواقع الفساد يسمح
بإعادة توزيع عادلة، وغني عن البيان أن التراجع عن هذا الشرط الضروري يطيل المسافة نحو العدالة الاجتماعية.

2- ما هي علاقة اقتصاد السوق الاجتماعي بدرجة التحكم أو العفوية في الاقتصاد؟
من المعروف أن الاقتصاد الآن هو في أحسن الأحوال اقتصاد سوق مشوه، وهذا يعني أن درجة التحكم فيه منخفضة بغض النظر عن الإعلانات المختلفة حول دور الدولة المركزي سابقاً، وهذا يعني أن درجة عفوية فعل قوانين السوق عالية، والسير إلى الأمام يتطلب تخفيف التشوه وصولاً إلى إزالته لا زيادته، مما يتطلب زيادة درجة التحكم الواعي الذي يتطلب دوراً جديداً للدولة، كما يتطلب تخفيض مساحة عفوية فعل قوانين السوق التي تنعش وتقوي قوى السوق الكبرى، وهذا إن حصل سينعكس إيجابياً على و تائر النمو التي تتطلب موارد يجب توجيهها نحوه بشكل واع، كما يتطلب تغيير معادلة الأجور والأرباح بشكل واع وعقلاني نحو تحقيق العدالة الاجتماعية مع كل ما يتطلبه ذلك من تحكم بالأسعار والضرائب والاستثمار وإزالة الفساد.

3- ما محتوى اقتصاد السوق الاجتماعي بعلاقة الاقتصادي والاجتماعي؟
حتى الآن يحمّل البعض انخفاض الفعالية الاقتصادية لنشاط الدولة لأعبائها الاجتماعية، والواقع أن العبء الاجتماعي هو دور وواجب للدولة، لا مبرر لوجودها دونه في العالم المعاصر، ولكن السؤال: كيف يجب ممارسة هذا الدور؟
إن رفع الفعالية الاقتصادية على مستوى المنشأة عبر القضاء على النهب والفساد و الهدر، سيؤمن تلك الفوائض الضرورية لممارسة الدولة لدورها الاجتماعي في التعليم والصحة والثقافة.. إلخ.. التي هي مجالات للاستثمار البعيد المدى وليست استهلاكاً لا تقوى الدولة عليه. وخلاصة القول إن قوى السوق الكبرى تريد تخفيض دور الدولة الاقتصادي، وبالتالي الاجتماعي، لتصبح لا دولة، كي تبني دولتها الحامية لانفلات قوى النهب والفساد، ولكن هذه المرة بشكل مقونن ومشروع حقوقياً.

4- وأخيراً: ما وضع قوة العمل في السوق الاجتماعي؟
من المعروف أن مكونات السوق هي البضائع و الرساميل وقوة العمل، وأنصار السوق الحرة يريدون تحرير سوق البضائع و الرساميل، وإبقاء سوق قوة العمل مقيدة، بالمعنى الاقتصادي: حيث تثبيت الأجور، وبالمعنى السياسي: حيث منع أية مطالبة بالحقوق بأي شكل كان. إن اقتصاد السوق الاجتماعي الذي يحرر البضائع و الرساميل من كل قيد ويبقي قوة العمل مقيدة هو اقتصاد سوق أكثر تشوهاً من الذي عرفناه، وهو ينقلنا عملياً إلى دكتاتورية الرساميل، لذلك يصبح تحرير قوة العمل أجراً وحقوقاً هو الشرط الضروري لاقتصاد سوق اجتماعي متوازن.

III- السياسة الاجتماعية واقتصاد السوق الإجتماعي:
إن درجة عمق الدور الاجتماعي لاقتصاد السوق الاجتماعي سيحدده عوامل موضوعية لها علاقة بدرجة استعداد المجتمع من جهة للدفاع عن حقوقه و من جهة أخرى قدرة جهاز الدولة على  استيعاب ضرورات الجانب الاجتماعي
 من التطور وإيجاد الآليات والموارد المختلفة الضرورية له.
وعن مشكلة الموارد تحديداً لتأمين الدور الاجتماعي للدولة، وإمكانية تأمينه ومصادر هذه الموارد سيتحدد مصير العملية الاجتماعية كلها.
إذ أن حجم الموارد الضرورية، هي قضية مرتبطة بنهاية المطاف بطريقة تأمينها وتوجيهها بالاتجاه الصحيح.
وهذه القضية لا يمكن أن تخرج خارج إطار الصراع الاجتماعي بين الأجور والأرباح، إذن فتناسب القوى الاجتماعية والبرامج الملموسة التي تعبر عنها هي التي ستحدد مآل هذه العملية في نتائجها.
وفي حال تم تحقيق الجانب الاجتماعي وتلبية حاجاته، فستنفتح الآفاق للعملية الاقتصادية نفسها كي ترتقي إلى مستوى أعلى نوعياً مما كانت عليه. وفي حال لم يتحقق ذلك، ستدور العملية الاقتصادية في حلقة مفرغة باتجاه التباطؤ التدريجي وانخفاض نسب النمو وتحولها إلى نسب سلبية مع ازدياد تدهور كل المؤشرات التي لها علاقة بالوضع المعاشي والاجتماعي.
لذلك لابد من دراسة بعض جوانب هذه العملية واحتمالاتها المختلفة في ظل الخيارات والآراء. سنتناول في البحث المواضيع التالية:
1- مشكلة مستوى المعيشة وطرق حلها: حسب دراسة مسح دخل ونفقات الأسرة 2004 هناك 3.5 مليون شخص أو  30% من السكان تحت خط الفقر، وكشفت علاقة الفقر بروابط التعليم والنوع لاجتماعي و التوزع الجغرافي ولكنها لم تستطع أن تكتشف الرابط المركزي للفقر.
إن الشعبوية بعينها هي التي تطلق شعارات براقة بحجة محاربة الفقر وغيره ولكن تخفي في طياتها حين البحث والتمحيص ديماغوجية اقتصادية تستخدم لغة شعبوية للتطمين.
إن قضية مستوى المعيشة حين المعالجة يجب أن تأخذ بعين الاعتبار النقاط التالية:
-  خط الفقر المقترح دولياً شيء، والحد الأدنى لمستوى المعيشة الضروري الذي يضمن الحد الأدنى للكرامة الإنسانية شيء آخر.
- إن قضية انخفاض مستوى المعيشة تخلق توتراً اجتماعياً غير مسموح باستمراره في جو المخاطر الإقليمية والتي يفرضها تغير الوضع الدولي في العقد الأخير، إذا كنا نريد الحفاظ على الوحدة الوطنية وعلى إرادة المواجهة.
- المشكلة الأساسية تكمن في استحالة حل قضية مستوى المعيشة ضمن آجال منطقية تفرضها حساسية الوضع السياسي الحالي، دون إعادة النظر في العلاقة جذرياً بين الأجور والأرباح، وهي قضية خرجت بالتالي من دائرة مفهوم العدالة الاجتماعية البحتة إلى دائرة الأمن الوطني.
- من كثرة استخدام مصطلح الحد الأدنى لمستوى المعيشة، تراءى للبعض أن الوصول إليه هو هدف بحد ذاته، بينما المقصود أن يتحول هذا الحد الأدنى إلى مقياس لدراسة مستويات المعيشة الأخرى وخاصة الحد المتوسط للمعيشة الذي يجب أن تذهب الجهود باتجاه .
- يجب أن تبحث جدياً قضية الآجال الضرورية لحل مشكلة مستوى المعيشة ليس من زاوية الممكن ضمن الإحداثيات الاقتصادية الاجتماعية المشوهة الحالية وإنما انطلاقاً من الضرورات السياسية الاجتماعية التي تفرضها حدة المعركة التي تدور حول البلاد وفيها، وأعتقد أن حل هذه المواضيع يجب أن يتم حتى ضمن آجال متوسطة فقط لا غير من 5 إلى 10 سنوات كحد أقصى، فالشعوب تستحق أن تتمتع بثروات وخيرات بلدانها وأن لا تؤجل القضية إلى الأحفاد دون ضمانات حقيقية.
- إن انخفاض مستوى المعيشة يخلق سلسلة من المشاكل المشتقة منه وأولها الفساد والانحرافات الاجتماعية واستنزاف قوى العمل و انخفاض الإنتاجية وابتعاد الرساميل عن الاستثمار الحقيقي المنتج نتيجة انخفاض القوة الشرائية في المجتمع.
والسؤال هل لدينا حلول أخرى حقيقية وقابلة للتطبيق؟
نعم لدينا:
- لا يوجد هناك حل إلا حل قضية الحد الأدنى للأجور و رفعهما يتماشى واقتصاد السوق.

2- البطالة:
يجب تحديد مشروع لتخفيض معدل البطالة إلى أقصى حد ممكن لتخفيض حدة التوتر الاجتماعي الذي تسببه ظاهرة خطيرة كالبطالة.
نعتقد أن هذا الموضوع يندرج أيضاً ضمن مفهوم الأمن الاجتماعي الذي يتطلب حله الالتزام بآجال متوسطة المدى. فالبطالة إلى جانب كونها قوى وثروة مهدورة فهي تخلق بؤر توتر اجتماعي يسبب توسع دائرة المهمشين.
فهل هناك حلول عملية واقعية للموضوع في الظرف الحالي؟. إن البحث العلمي الجاد يؤكد أنه يمكن إيجاد حلول
إن حل مشكلة البطالة يتطلب التوسع في الاستثمار وتوسيع القاعدة الاقتصادية.

3- الدعم الحكومي:
ليس هنالك دولة في العالم لا تقدم الدعم لجهات اعتبارية أو فردية، ويخدم الدعم في النهاية أهداف سياسية اقتصادية واجتماعية.
فالبقرة في أوروبا تحظى بدعم يومي قدره 2.5 دولار أما في اليابان فوضعها أحسن إذ تحظى بـ 7.5 دولار يومياً، (المفارقة مع حد الفقر الأدنى).
أما الولايات المتحدة ذات الاقتصاد الحر فتدعم مزارعيها، وأوروبا يشكل مجموع الدعم الزراعي 30% من قيمة الإنتاج النهائي.
إن معزوفة أن يذهب الدعم إلى مستحقيه ولإعادة النظر تحمل في طياتها خطر أن يتبخر الدعم عن مستحقيه وغير مستحقيه.
إن سياسة الدعم يجب أن تعتمد على فكرة أن الدولة لا يجب أن تقوم بدور الجابي والتاجر بقدر ما تقوم بدور الضامن للأمن الاجتماعي وللاستقرار السياسي.
إن السياسة الاجتماعية الصحيحة هي التي توجه السياسات الاقتصادية ضمن منظور أولويات وأهداف محددة على
أساس آجال زمنية مدروسة تفرضها ضرورات الواقع الإقليمي والمحلي
-          

. السياسات الاجتماعية واقتصاد السوق الاجتماعي

مقدمة:

عندما تطرح قضايا السياسات الاجتماعية وعلاقتها بالاقتصاد،وبسبب تاريخ هذه العلاقة غير الموفق في أكثر الأحيان، يخطر للذهن وجودُ تناقضمستعصٍ في هذه الثنائية، والواقع أن التناقض مصطنع، سببه التطبيقات المشوهة إن كانفي مجال الاقتصاد أو في مجال السياسة الاجتماعية التي كانت تعالج الموضوع المطروحضمن خيارات أحادية، مستندة فعلاً إلى وجود تناقض بين الاقتصاديوالاجتماعي.
والأكيد أن أي خيار اقتصادي أو اجتماعي له محتواه وطبيعتهالاجتماعية التي تعبر عن مصالح محددة في المجتمع المكون من شرائح وطبقات اجتماعيةمختلفة، ومتباينة المصالح.
إن التجربة الماضية والواقع الملموس اليوم يتطلب إعادة البحث في علاقة الاقتصادي بالاجتماعي للوصول إلى العلاقة الحقيقية بينهما ضمنتأثيرهما المتبادل.
إن مهمة البحث الحالي إثبات افتراض: أن السياسة الاجتماعيةهي جزء مكون ضروري لأي سياسة اقتصادية، والتي أصبح بدونها لايمكن تحقيق أي نجاحاقتصادي إن كان في مؤشراته الكمية وبالأحرى النوعية.
من هذه الزاوية يرتدي أهمية بحث العلاقة بين هذين الحدين في الإطار الكلي والجزئي، وفي علاقتهما في إطار الشكلوالمضمون وفي تأثير بعضهما على بعض من زاوية العلاقة بين العدالة الاجتماعيةوالفعالية الاقتصادية.
-Iعلاقة الاقتصادي بالاجتماعي:
‌أ) من حيث الشكل والمضمون:
إن علاقة الاقتصادي بالاجتماعي، هي علاقة شكل بمضمون، فالشكل لايتغيرإلا بتغير المضمون، كما أن تغير الشكل يؤدي إلى تغييرات في المضمون. فالهدف ليسالمؤشرات الاقتصادية بحد ذاتها، بل الوصول من خلالها إلى أحسن المؤشرات الاجتماعيةقدر الإمكان.
وإذا بحثنا العلاقة بينهما بشكل أكثر تفصيلاً لتبين التالي:
- شكل متخلف عن حاجات المضمون يؤدي إلى إعاقة التطور كله.
- عدم تلبية حاجات المضمون وتحقيقها يؤدي إلى عرقلة تقدم الشكل نفسه.
- إيجاد الشكل المناسب للمضمون يسمح بالتطور المتناغم والمنسجم للاثنين.
- تحديد حاجات المضمون الحقيقية، يسمح بإعادة صياغة الشكل كي يتناسب معها.
وبالتالي، نستنتج أن كل الكلام عن التناقض بين الاقتصادي والاجتماعي هو كلام غير صحيح إذا لم ينظر له منزاوية وحدة هذه الثنائية وتفاعلها المتبادل، أي أن التناقض بينهما ليس مستعصياًيؤدي إلى نفي أحدهما للآخر بل على العكس، هذا التناقض هو من التناقضات الضروريةللتقدم والتي يمكن وعيها والتحكم بها لمصلحة التطور نفسه.


لقد سادت في العقود الماضية، عقلية تقول إن توفير الشروط الاقتصادية للتطور ستضيق هامش تحقيق مكاسب اجتماعية، كما كان يجري تبرير اللافعالية الاقتصادية بضرورات اجتماعية. والواقع أن هذا التناول أدى في نهاية المطاف إلى تراجع الاقتصادي والاجتماعي معاً، مما يتطلب تدقيق الرؤية وتصحيحها.
‌ب) المستوى الكلي والجزئي (ماكروـميكرو)

إذا بحثنا في العلاقة بين الاقتصادي والاجتماعي تاريخياً في ظروف سورية الملموسة لرأينا التالي:
أ‌) على المستوى الكلي: اقتصادياً تم تحقيق معدلات نمو لابأس بها ولكن ليس بسبب الفعالية العالية للمؤسسات الاقتصادية على المستوى الجزئي، بل بسبب نوع من الريع تم تحقيقه بسبب الظروف الإقليمية والعالمية.

وهذا ماسمح بحل ومعالجة جملة من القضايا الاجتماعية في حينه من خلال الفوائض المتاحة والتي لم تكن مصادرها داخلية.
ب‌) على المستوى الجزئي: كانت الفعالية الاقتصادية متدنية لأسباب لها علاقة ببنية الإنتاج وعدم انسيابية عملية الإنتاج والنهب الذي تعرضت له المؤسسات الاقتصادية من خلال مدخلاتها أو مخرجاتها. لذلك عندما كانت تحل بعض المهام الاجتماعية على المستوى الجزئي كانت تستخدم كحجة لتبرير تدني الفعالية الاقتصادية وللتغطية على عملية النهب التي كانت تجري على قدم وساق.

ونتيجة لكل ذلك جرى تحميل الاجتماعي مسؤولية اللافعالية الاقتصادية، وكما يتبين فإن ذلك كان غير صحيح ومحاولة لتغطية الأسباب الحقيقية.
إن التجربة المتراكمة في هذا المجال تؤكد أن حل قضية علاقة الاقتصادي والاجتماعي على المستوى الكلي والجزئي لابد من أن تأخذ بعين الاعتبار التالي:
1) تحقيق أكبر فعالية ممكنة على المستوى الجزئي.

2) من خلال تأمين أكبر فوائض ممكنة على المستوى الكلي.
3) إعادة توجيه جزء من هذه الفوائض لتحقيق سياسات اجتماعية قوية على المستوى الكلي.
4) تحقيق وتنفيذ أية سياسات اجتماعية على المستوى الجزئي، يجب أن يتم ضمن إطار السياسة الكلية وبتفويض من الدولة، مقونن وخاص وحسب كل حالة على حدة.
‌ج) العدالة و الفعالية:
كانت العلاقة بين العدالة الاجتماعية والفعالية الاقتصادية تاريخياً، تحل على حساب أحد طرفي المعادلة، فأي رفع لمستوى العدالة الاجتماعية كان يرافقه تصور أنه يؤدي إلى انخفاض الفعالية الاقتصادية والعكس صحيح.
والحقيقة أن التجربة التاريخية كانت تحتوي المثالين: مثال التفاعل الصحيح بين طرفي المعادلة ومثال الاختلال بينهما على حساب أو لحساب أحدهما.
ولكن كل ذلك كان يجري في ظروف لم تكن قد تحولت فيه قوة العمل البشرية إلى عامل حاسم في تطور القوى المنتجة كما الحال عليه اليوم، وذلك بسبب ازدياد كميات العمل الذهنية في كميات العمل المنتجة مجدداً، مما ينعكس بتطور وتعقد التكنولوجيا المستخدمة على أدنى مستويات العملية الإنتاجية الأمر الذي يستدعي أكثر فأكثر الالتفات إلى حاجات قوى العمل البشرية وتلبيتها إلى أعلى درجة ممكنة.
والحقيقة أنه إذا كان في السابق، وبسبب مستوى تطور القوى المنتجة، يمكن الفصل بين ضرورتي العدالة الاجتماعية والفعالية الاقتصادية سبباً، إلا أنه اليوم، يتضح مع الوقت أن هذين العاملين يندمجان في بعضهما البعض، وأصبح أحدهما يتطلب الآخر، وانخفاض وضعف أحدهما يؤدي تلقائياً إلى ضعف وتراجع العامل الآخر.
لذلك تصبح العدالة الاجتماعية بمفهومها الضيق (الأجور وعلاقتها بالأرباح) ومفهومها الواسع (مستوى المعيشة ونوعيتها) جزءاً مكوناً وفاعلاً في عملية الفعالية الاقتصادية، كما أن الفعالية الاقتصادية بتطورها تؤمن أرضية تأمين حاجات العدالة الاجتماعية.
وتبقى المشكلة القائمة التي تتطلب الحل عبر النقاش اللاحق: ماهي المؤشرات التي يجب اعتمادها لقياس مستوى الفعالية الاقتصادية على المستوى الكلي والجزئي، وهي إذا كانت أكثر وضوحاً على المستوى الكلي نسبياً، إلا أنها على المستوى الجزئي تتطلب التدقيق والتمحيص، والأكيد أن الربح وحده ليس مقياساً صالحاً لقياس الفعالية على المستوى الجزئي فهو مؤشر كمي وتضليلي أحياناً.
إن حل هذا الإشكال علمياً، سيسمح بإيجاد وحدات قياس فعالية الوحدة الإنتاجية على المستوى الجزئي، بشكل تندمج فيه مع جميع مكونات الاقتصاد الوطني.
والخلاصة أن الفعالية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية في حال تم الوصول إلى العلاقة المثلى بينهما ستسمحان بـ:
- التوازن بين الأجور والأرباح.
- إعادة تجديد قوة العمل.
- إعادة إنتاج الاقتصاد الوطني بوتائر أعلى.
- تحويل تمركز الثروة من نقمة إلى نعمة عبر جعل هذا التمركز بيد المجتمع.
- تأمين وتائر نمو عالية تنعكس إيجابياً على مستوى ونوعية المعيشة.
-IIمفهوم الأمن الاجتماعي:
إن السياسات الاجتماعية بمجموعها عند تطبيقها، إما أن تؤدي إلى تحقيق الأمن الاجتماعي أو لا. وهنا مقياس فعاليتها.
فالأمن الاجتماعي هو جزء مكون من الأمن الوطني الذي يختلف مفهومه الحقيقي عن المفهوم المتداول والذي يقصد به أمن الدولة، فالأخير مفهوم ضيق وهو يمكن أن يكون أحد مكونات الأمن الوطني في أحسن الأحوال.
فالأمن الوطني هو منظومة أمن شاملة ومتكاملة وتشمل إلى جانب الاجتماعي، الأمن بمعناه الاقتصادي والثقافي والسكاني والمائي والطاقي والغذائي والسياسي والعسكري . . . .إلخ. ويبقى أساس الأمن الوطني أكبر من الجانب الاقتصادي والاجتماعي.
وقد ازدادت مؤخراً أهمية الأمن الاجتماعي بما لايقاس بالمقارنة مع العقود السابقة، بعد اختلال ميزان القوى الدولي ومحاولة الولايات المتحدة الأمريكية الهيمنة الوحيدة القطب على العالم معتمدة على آليات التفتيت داخلياً في كل منطقة وبلد، ومشروع الشرق الأوسط الكبير ـ نموذج واضح على ذلك.
لذلك تبقى منظومة الأمن الاجتماعي ـ جهاز الدفاع الأساسي عن السيادة والكيان الوطني.
فالأهداف البعيدة المدى للمخطط الأمريكي ـ الصهيوني تستهدف التصدعات الاجتماعية لتوسيعها وتحويلها إلى شروخ تؤدي إلى انهيارات كاملة، أي أنها تعتمد في تنفيذ مخططها على الثغرات الداخلية وعوامل الضعف في البنية، بينما كان يتم الاعتماد في العقود السابقة وبسبب توازن ميزان القوى الدولي على العامل الخارجي بالدرجة الأولى، لقد أصبح العامل الخارجي في مخططات اليوم عاملاً مساعداً على إحداث تغيير عميق في البنى الداخلية أي بنية الدولة أو المجتمع أو ثقافته.
لذلك فإن السياسات الاجتماعية في هذه المرحلة لها الدور الحاسم، فهي إما أن تؤدي إلى استقرار وتصليب بنية المجتمع والدولة، وإما أن تؤدي إلى توتر يفضي إلى المساعدة موضوعياً على تنفيذ المخططات الخارجية البعيدة المدى.
لذلك إذا كنا في الماضي القريب والبعيد، نتعامل مع السياسات الاجتماعية من منطلق أيديولوجي له علاقة بالدرجة الأولى بفهم موضوع العدالة الاجتماعية والموقف منها، فإن الموضوع اليوم، تجاوز ذلك بكثير وأصبح له علاقة مباشرة بالأمن الوطني بالمعنى المباشر.
وحين نؤكد على ذلك، لانقصد القول إن الأمر بشكله الجديد وتطبيقاته هو بحكم الغيب أو موضوعة على بساط التطبيق على المستوى البعيد، فإذا علمنا أن عام 2010 هو عام حاسم بالنسبة للإدارة الأمريكية لإحداث انعطاف نهائي في منطقتنا يغير بنيتها، لفهمنا أن الخطر جدي وأن المطلوب إيجاد حلول سريعة ومعالجات إسعافية لتحويل نقاط ضعفنا إلى نقاط قوة قادرة على إحباط كل مايمس الأمن الاجتماعي كأحد المكونات الأساسية للأمن الوطني.
-IIIمنظومة السياسات الاجتماعية:
سنتناول أهم أهداف منظومة السياسات الاجتماعية التي لها دور بحركة الفئات الاجتماعية ومناخها وعلاقاتها ببعضها البعض.
‌أ. مستوى المعيشة:
تحتل قضية مستوى المعيشة موقع الصدارة في منظومة السياسات الاجتماعية لما لها من تأثير مباشر على المجتمع ومزاجه ومواقفه، والغريب أن قضية مستوى المعيشة تختصر مؤخراً بقضية الفقر فقط، حتى أن قضية الحد الأدنى لمستوى المعيشة الذي يقاس عادة على سلة الاستهلاك المبنية على مستوى الأسعار الملموس، أهملت لصالح مؤشرات مجردة عالمية غير ملامسة حدة الفقر، مع الملاحظة أن مستوى المعيشة يقاس ليس فقط كماً من حيث الدخل المجرد، وإنما أيضاً من حيث الخدمات المتوفرة وسعرها ونوعيتها بالمقاييس العالمية.
إلى جانب ذلك يجب أن لايهمل أن الحد الأدنى لمستوى المعيشة هو مجرد مؤشر، كي تبنى على أساسه مؤشرات أخرى ليست أقل أهمية، وهي مثلاً الحد المتوسط لمستوى المعيشة. فالهدف الحقيقي لايمكن أن يكون فقط الوصول إلى معادلة الحد الأدنى للأجور بالحد الأدنى لمستوى المعيشة، فهذا المؤشر مع ضرورته، لايكفي لتغيير مستوى المعيشة، بل يجب الانطلاق منه للوصول إلى الحد المتوسط لمستوى المعيشة الذي بتوفره كوحدة قياس يسمح بمعرفة درجة تأمينه في المجتمع مع الآثار المختلفة الإيجابية أو السلبية المنبثقة عنها.
‌ب. البطالة:
مع تزايد معدلات البطالة وصعوبة إيجاد حلول لها تتغير معها الآثار السلبية المعروفة تاريخياً والمرافقة لها، فمن ظاهرة غير دورية ومتقطعة وغير منتظمة الظهور عند شرائح بعينها، تحولت البطالة إلى ظاهرة ثابتة ومستمرة ومنتظمة الظهور وخاصة في القطاعات التي تدخل سوق العمل مجدداً، والتي تبقى مرشحة له لسنوات طويلة، مما يخلق فعلياً شرائح اجتماعية جديدة تتميز بزيادة تهميشها عن الشأن الاجتماعي والوطني، الأمر الذي يخلق قنبلة اجتماعية عالية الخطورة في حال انفجرت في ظرف ملائم ما.
إن البطالة لاتعني فقط هدر قوة عمل وإخراجها خارج دائرة الفعل، بل إن البطالة المستمرة هي عامل سلبي في التكوين والمزاج الاجتماعي بما تخلقه من حالة لاانتماء وإحباط، تتجلى في نفسية المهمشين الذين يتحولون إلى قوة متمردة، سهلة التحريك ضد كل شيء.
والمشكلة الأكبر هي إعادة تأهيل العاطلين عن العمل من الشباب، إن استمرار البطالة لسنوات طويلة واستقرارها خلق أخطاراً غير معروفة سابقاً، الأمر الذي يتطلب معالجتها حفاظاً على الاستقرار والأمن الاجتماعي.
‌ج. هجرة العقول:
إن جذر البطالة وهجرة العقول واحد، وهو عدم قدرة سوق العمل على استيعاب الإمكانيات المتوفرة والثانية هي هجرة الكفاءات العالية التأهيل.
إن هجرة العقول بغض النظر عن الخسائر الاقتصادية الكبيرة التي تسببها على مستوى التبادل اللامتكافئ مع الدول المتقدمة، تخلق خلخلة اجتماعية وتحمل أضراراً تؤثر على منحى التطور العام في البلاد وسرعته وحجمه. إن الدراسات الأخيرة تبين أن هجرة العقول تسبب خسائر كبرى للاقتصاد الوطني ويكمن جذرها في نهاية المطاف في مستوى الأجور المتوسطة أو المتدنية بالمقارنة مع أمثالها في الدول الأخرى، من هنا تأتي الأهمية الإضافية لحساب وضبط الحد المتوسط لمستوى المعيشة الذي أتينا على ذكره أعلاه.
‌د. الصحة والتعليم:
إن مستوى التعليم والصحة في عالم اليوم يجب أن يعالج ليس من زاوية كونهما خدمتين تقدمان للمجتمع، وإنما من زاوية ضرورتهما القصوى لعملية إعادة الإنتاج الاجتماعية الموسعة، فحجم ومستوى التعليم والصحة يحددان إلى حد كبير مستوى النمو اللاحق.
إن الميزة النسبية المؤقتة لسورية اليوم، أنها باستطاعتها أن تجني نتائج ثمار التعليم المجاني في كل المراحل التي تمت في العقود السابقة، وهذه الميزة إذا استخدمت بشكل جيد ستسمح بالاستخدام الأمثل للإمكانيات التي يجب أن توظف في اقتصاد المعرفة، ويجب أن يؤخذ بعين الاعتبار أن هذه الميزة آيلة إلى التراجع مع توسع التعليم الخاص في كل المراحل، والمشكلة أن التوظيفات في هذا المجال لاتظهر فوائدها إلا بعد جيل أو جيلين من الاستثمار المستمر في هذه القطاعات.
وصحيح أن حجم الاستثمارات في هذه المجالات التي يجب أن تنعكس على تحسن المؤشرات النوعية وعدم الاكتفاء بالمؤشرات الرقمية الكمية مثل حصة الفرد من الخدمات وتطويرها.
‌ه. السكن:
إن مشكلة السكن ليس لها علاقة بالمساحات وبدل السكن عن طريق الشراء والإيجار وعلاقته بمستوى المعيشة، بقدر مالها علاقة بقضيتين:
1) توسع مناطق المخالفات نتيجة تعقد الوضع السكني مع التوتر الاجتماعي الكامن فيها، فمناطق السكن العشوائي حول المدن الكبرى هي أحزمة توتر بسبب التهميش الذي تخلقه عطفاً على ظروف السكن والخدمات المتوفرة.
2) توسع الهوة في السكن بسبب ارتفاع أسعار الأراضي والبناء بين المناطق الغنية والفقيرة، له آثار معنوية ونفسية بعيدة المدى اجتماعياً.
إذا جمعنا كل هذه الملفات من مستوى معيشة إلى بطالة وهجرة عقول وصولاً إلى الصحة والتعليم والسكن، لتوضح حجم المشكلة ليس بالمعنى الاقتصادي فقط وإنما بالمعنى الاجتماعي أيضاً، فهذه الملفات إلى جانب بعضها البعض تخلق وضعاً مركباً نوعياً جديداً يتميز بالآتي:
- زيادة إلى الحد الأقصى في درجة التوتر الاجتماعي، وهي قابلة للانفجار مع التأخر في الحل.
- زيادة درجة الإرهاق والتعب في المجتمع الذي يتحول إلى اللامبالاة أمام حجم المشكلة المتمثلة أمامه، ويعيق بالتالي ويصعب أية إمكانية للحلول اللاحقة التي تتطلب بحد ذاتها مشاركة مجتمعية واسعة.
- إن هذه المشاكل باستمرارها تخلق حالة كبح في الوعي الاجتماعي تجعله لامبالياً وحيادياً أمام المخاطر الخارجية في الظروف الحالية المعقدة.
وإذا أضفنا إلى ذلك الضخ الذي يقوم به الإعلام العالمي عبر الفضائيات المختلفة، لتحسسنا حجم الخطر الذي يتوجب التحرك السريع لإيجاد حلول للمشاكل المعلقة وتنفيذها.
IVاقتصاد السوق الاجتماعي كمفهوم
أحسن المصطلحات والشعارات لاتعني شيئاً، إذا لم تؤكد الممارسة مصداقيتها. فالاقتصاد السوري كان يوصّف خلال عقود، في النصوص القانونية وفي الوثائق الرسمية على أنه اشتراكي، بينما كان في واقع الحال رأسمالياً مشوهاً ومتخلفاً، إذن فقوة النص أو المفهوم تأتي من الواقع وليس العكس.
واليوم في إطار الصراع الجاري مع قوى السوق الكبرى التي تريد سوق فوضى تسميها «بالحرة»، يأتي مفهوم اقتصاد السوق الاجتماعي ليفتح إمكانية، مجرد إمكانية، للقوى المناهضة لأخطار السوق الحرة، كي تمنع حدوث كارثة إذا أحسنت تنظيم قواها وعبأت قوى المجتمع معرفياً وسياسياً في الاتجاه الصحيح.
وبعبارة أدق، إن مصطلح اقتصاد السوق الاجتماعي، ليس تعويذة قادرة بلمسة ساحر على إيقاف قوى السوق الكبرى المنفلتة والمتوحشة والمرتبطة بقوى السوق العالمية، فالشكل النهائي والملموس له ستحدده على الأرض محصلة صراع القوى الاجتماعية المختلفة، والذي يجري في بيئة إقليمية وعالمية غير ملائمة مؤقتاً للقوى النظيفة في جهاز الدولة والمجتمع.
لذلك فإن وضوح صياغة المفاهيم، وإيجاد أشكالها التطبيقية على الأرض سيرتدي أهمية كبيرة بالنسبة لمآل الصراع الجاري في البلاد حول آفاق التطور اللاحق.
من هنا تأتي أهمية الإجابة الدقيقة والواضحة عن الأسئلة التالية:
1. ماهي علاقة اقتصاد السوق، حتى لو كان اجتماعياً، بأشكال الملكية المختلفة (خاص، دولة، عام، إلخ)؟
يحاول البعض أن يتنصل من هذا الموضوع، كي يبقى الطابع الاجتماعي لاقتصاد السوق معوماً؟ والمقصود بالاجتماعي هو: مصالح أية فئة اجتماعية يجب أن يخدم في ظل وجود مصالح متناقضة في المجتمع مستحيلة التوافق فيما بينها؟ أي بكلام آخر كيف يجري توزيع الدخل الوطني في المجتمع؟ وفي نهاية المطاف ماهي العلاقة بين الأجور والأسعار؟
لذلك يبقى الكلام عن اقتصاد السوق الاجتماعي بلا معنى، إذا لم يلامس أشكال الملكية التي تؤثر على طريقة توزيع الدخل، من هنا يصبح واضحاً أن أي تراجع لدور الدولة وأشكال ملكيتها هو خطوة إلى الوراء موضوعياً فيما يخص العدالة الاجتماعية، حتى لو كان هذا الدور من خلال ما ينتجه من قيمة مضافة يجري حتى الآن ليس لصالح الجماهير الشعبية، فهذا الدور هو شرط ضروري للعدالة الاجتماعية ولكنه غير كاف إذا لم يرافقه ضرب لمواقع الفساد يسمح بإعادة توزيع عادلة، وغني عن البيان أن التراجع عن هذا الشرط الضروري يطيل المسافة نحو العدالة الاجتماعية.
2. ماهي علاقة اقتصاد السوق الاجتماعي بدرجة التحكم أو العفوية في الاقتصاد؟
من المعروف أن الاقتصاد السوري الآن هو في أحسن الأحوال اقتصاد سوق مشوه، وهذا يعني أن درجة التحكم فيه منخفضة بغض النظر عن الإعلانات المختلفة حول دور الدولة المركزي سابقاً، وهذا يعني أن درجة عفوية فعل قوانين السوق عالية، والسير إلى الأمام يتطلب تخفيف التشوه وصولاً إلى إزالته لا زيادته، مما يتطلب زيادة درجة التحكم الواعي الذي يتطلب دوراً جديداً للدولة، كما يتطلب تخفيض مساحة عفوية فعل قوانين السوق التي تنعش وتقوي قوى السوق الكبرى، وهذا إن حصل سينعكس إيجابياً على وتائر النمو التي تتطلب موارد يجب توجيهها نحوه بشكل واع، كما يتطلب تغيير معادلة الأجور والأرباح بشكل واع وعقلاني نحو تحقيق العدالة الاجتماعية مع كل ما يتطلبه ذلك من تحكم بالأسعار والضرائب والاستثمار وإزالة الفساد.
3. مامحتوى اقتصاد السوق الاجتماعي بعلاقة الاقتصادي والاجتماعي؟
حتى الآن يحمّل البعض انخفاض الفعالية الاقتصادية لنشاط الدولة لأعبائها الاجتماعية، والواقع أن العبء الاجتماعي هو دور وواجب للدولة، لامبرر لوجودها دونه في العالم المعاصر، ولكن السؤال: كيف يجب ممارسة هذا الدور؟
إن رفع الفعالية الاقتصادية على مستوى المنشأة عبر القضاء على النهب والفساد والهدر، سيؤمن تلك الفوائض الضرورية لممارسة الدولة لدروها الاجتماعي في التعليم والصحة والثقافة.. إلخ.. التي هي مجالات للاستثمار البعيد المدى وليست استهلاكاً لاتقوى الدولة عليه. وخلاصة القول إن قوى السوق الكبرى تريد تخفيض دور الدولة الاقتصادي، وبالتالي الاجتماعي، لتصبح لا دولة، كي تبني دولتها الحامية لانفلات قوى النهب والفساد، ولكن هذه المرة بشكل مقونن ومشروع حقوقياً.
4. و أخيراً: ما وضع قوة العمل في السوق الاجتماعي؟
من المعروف أن مكونات السوق هي البضائع والرساميل وقوة العمل، وأنصار السوق الحرة يريدون تحرير سوق البضائع والرساميل، وإبقاء سوق قوة العمل مقيدة، بالمعنى الاقتصادي: حيث تثبيت الأجور، وبالمعنى السياسي: حيث منع أية مطالبة بالحقوق بأي شكل كان. إن اقتصاد السوق الاجتماعي الذي يحرر البضائع والرساميل من كل قيد ويبقي قوة العمل مقيدة هو اقتصاد سوق أكثر تشوهاً من الذي عرفناه، وهو ينقلنا عملياً إلى دكتاتورية الرساميل، لذلك يصبح تحرير قوة العمل أجراً وحقوقاً هو الشرط الضروري لاقتصاد سوق اجتماعي متوازن.
-Vالسياسة الاجتماعية واقتصاد السوق الاجتماعي
إن درجة عمق الدور الاجتماعي لاقتصاد السوق الاجتماعي سيحدده عوامل موضوعية لها علاقة بدرجة استعداد المجتمع من جهة للدفاع عن حقوقه، ومن جهة أخرى قدرة جهاز الدولة على استيعاب ضرورات الجانب الاجتماعي من

-         مرحلة اقتصاد السوق : عرفت العشرية الأخيرة من القرن الماضي مرحلة خطيرة، لم تعرفأبدا البلاد إنزلاقات كالتي عرفتها خلال هذه الحقبة، فالأوضاع السياسية غيرالمستقرة أثرت بصورة سلبية على كل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
لــقد عاشالاقتصاد الوطني خلال هذه المرحلة هزات عدة جاءت نتيجة تخريب العديد من ممتلكاتالدولة كحرق المصانع، هجرة الإطارات والكوادر من جهة، وإفلاس المؤسسات وغلقها، وكذاتسريح عمالها من جهة أخرى، التدهور في قيمة العملة، ولكن رغم هذا وذاك بقيت الدولةصامدة أمام هذا الوضع واستمر مسئولي القطاعات الاقتصادية في إتباع أنظمة جديدة تخرجالبلاد من الأزمة.
وفي سنة 1990م أصدرت الدولة قانون 90/10 الخاص بالقرض والنقدوبموجبه أنشئ مجلس النقد والقروض والذي يعتبر مجلس إدارة البنك، فمن خلال هذاالقانون (كان أول قانون صدر في تلك المرحلة) أدركت الدولة أن السير الأفضل للتنميةوالنهوض باقتصادها هو الانتقال إلى تحرير الاقتصاد الوطني بإتباع سياسة السوق الحرةورفع يد الدولة عن العديد من الأمور الاقتصادية وإبراز نية توجهها السياسي نحو مايسمى بـ: "اقتصاد السوق"
-
ماذا نعني باقتصاد السوق ؟ وما هي مبادئه ؟
-
وماذا عن الدور الجديد للدولة في ظل هذا النظام ؟

إن مفهوم السوق يستند إلى مبدأ كمال السوق وهذا المبدأ مفاده سيادة الحالة الطبيعية للسوق ونعني بها المنافسةالكاملة، وفيه يكون تدخل الدولة ما هو إلا دور منظم ومسير مع ضبط تحرك السوق عنطريق القوانين لتفادي وجود احتكارات وما يعرف اليوم بـ: "اقتصاد السوق"، ومفهومهيختلف من بلد لآخر.


مبادئ اقتصاد السوق :أ‌- المصلحة الذاتية: هي أهم مبدأ ترتكز عليه الرأسمالية وهي حق الملكية الفردية لوسائل الإنتاج فهي تقديرالدوافع الذاتية للفرد.
ب‌- الحرية الاقتصادية: ويقصد بها أن يتعامل الفرد مع منيشاء ومع من يريد في أي وقت.
ت‌- الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج: ويقصد بها فيالفكر الرأسمالي حق الفرد في امتلاك واستخدام وسائل الإنتاج المملوكة بالشكل الذييتحقق مع مصلحته الشخصية، على هذا الأساس يقوم اقتصاد السوق بتنظيم الملكية الخاصةوحمايتها.
ث‌- المنافسة والمبادرة الحرة: إن المنافسة تسمح بالديناميكية وهيتمارس على المستويين الوطني والدولي حيث تعوض رجال الأعمال والمؤسسات منافسة دوليةمتكافئة، أما المبادرة الحرة فتسمح بالتفتح والارتقاء وتنمي قدرات الإبداع، فالدولالأكثر تقدما هي التي تدافع عن المبادرة الحرة والمنافسة والسوق.
صل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تنس دعمنا بالنشر والتعليقات

0تعليقات

تعليقك يساهم في تطوير المحتوى ويزيد من الفائدة بمشاركتنا بأفكارك واقتراحاتك , رأيك يهمنا فساهم بتعليقاتك معنا
يرجى عدم وضع روابط خارجية في التعليقات لضمان نشرها